أطفال غزة : من المهد إلى.. اللحد…بقلم لبنى حمودة

منذ النكبة سنة 1948 والشأن الفلسطيني لا يغيب عن الساحة الإعلامية,لكنه تحول لحدث الساعة وكل ساعة منذ7 أكتوبر وبعد أن أعلنت إسرائيل بدء عملية عسكرية في قطاع غزة أسمتها “السيوف الحديدية”,حرب لم يشهد لها التاريخ مثيلا في أحداثها المرعبة والتطورات الميدانية المتلاحقة والمتسارعة,حوالي 31 ألف شهيد فلسطيني من بينهم 13ألف طفل والسؤال يطرح نفسه ترى ما هو العدد المطلوب من الشهداء حتى يستيقظ ضمير العالم العربي من سباته؟
بالأمس القريب تلويحة من يد والد محمد الدرة للجيش الإسرائيلي أقامت الدنيا ولم تقعدها وأصبح محمد الدرة أيقونة الانتفاضة الفلسطينية الثانية ,بالأمس القريب هتفت حناجر الشعوب العربية واكتسحت الساحات منددة بحادثة مقتل الدرة ,أدباء وشعراء وقصائد نارية كتب الشاعر الفلسطيني عبد الوهاب زاهدة آنذاك “هو مشهدْ/ لمحمدْ / كل يومٍ يتجدد / كان زهره / ساطعا يشبهُ درّه / في صرير الريحِ يهوي/ مثلَ قنديلٍ بمعبد / يتمدد / يتشّهد/ يسألُ الكونَ ليشهد / أن ّ هولاكو .. تنمرد /خردقوهُ .. بالرصاص / مزّقوهُ” ..
في هذه الحرب قتلت إسرائيل أكثر من 13 ألف طفل ..أكثر من 13 ألف محمد الدرة,وكل طفل في فلسطين هو محمد الدرة, منهم من مات جراء القصف, منهم من مات عالقا تحت الأنقاض, منهم من أصيب بحروق , منهم من مات بالرصاص قنصا, ومنهم من مات جوعا وسلاح الجوع هو أشد الأسلحة فتكا “الآن أصبحت وفايات الأطفال التي كنا نخشى حدوثها حقيقة واقعة, ومن المرجح أن تتزايد بسرعة ما لم تنته الحرب ,ويتم حل العقبات التي تعترض الإغاثة الإنسانية على الفور”هكذا صرحت أديل خضر المديرة الإقليمية لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال لإفريقيا حول الأطفال في غزة الذين يعانون من سوء التغذية.
توثق الكاميرا وتصلنا مشاهد لرضع تدمي القلوب,أجسادا جدا نحيلة وعيون جاحظة,وجلود شفافة وأضلاع بارزة ,شموع تنطفئ تدريجيا أمام أنظارنا ,ويعتبر الجوع أشد أنواع الأسلحة شراسة كونه موتا بطيئا ومؤلما ويتواصل تأثيره لأشهر وسنوات وعقود هكذا صرح الخبير الأممي مايكل فخري, وأضاف أن الجوع سيؤثر سلبا على مستقبل أكثر من مليون طفل يعيشون في غزة 335 ألف منهم دون سن الخامسة معرضون لخطر الإصابات الجسدية الدائمة بما يشمل ضعف الإدراك ,خلال أيام معدودات أعلن مدير مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة عن وفاة 20 طفلا بسبب الجفاف الشديد وسوء التغذية,من بينهم أحمد الذي توفي بسبب التسمم الغذائي جراء أكله لخبز صنع بعلف الحيوانات ومواد أخرى ولم يقو جسده الصغيرعلى الصمود, تقول جدته إنهم لم يأكلوا الخبز مدة 100 يوم وحينما ظفروا بتسعة أرغفة من الخبز أصيبوا بتسمم غذائي وتوفي الصغير أحمد,أما الخدج فيولد الطفل وهو يعاني من مشكلات صحية جراء حالة سوء التغذية التي تمر بها الأم طوال أشهر الحمل ,مما يؤثر على الجنين ومع نقص الأدوية والعلاجات في المستشفيات فإن الكثير منهم ماتوا بعد أيام من ولادتهم..يزن كفارنة,خالد حجازي ,أحمد الزاير, وغيرهم أطفال ورضع وخدج ضحايا أشرس سلاح ..الجوع فلماذا لم تحرك إلى حد الآن تلك المشاهد ضميرالأمة العربية والإسلامية؟
13ألف طفل ضحايا آلة القتل الإسرائيلية,ضحايا حرب همجية ضد شعب أعزل, حرب إبادة جماعية ألم يقل رئيس الوزراء الإسرائلي السابق إسحاق رابين ” أتمنى أن أستيقظ ذات يوم من النوم فأرى غزة وقد ابتلعها البحر” غزة لم يبتلعها البحر لكن ها هي اليوم تلتهمها آلة الدمار والحصار والتجويع, إن ما تأتيه إسرائيل في غزة يذكرنا بزلزال تسونامي وارتداداته, فهي تقصف, تفجر, تنسف, تسفك الدماء, تعتقل, تقنص, تحيل المنطقة دمارا ثم تعلن انسحابها, ثم فجأة تعود لنفس المكان المدمر تزيده دمارا وخرابا وتمشط حتى المنازل المدمرة منزلا منزلا وتقتل من يصادفها رجال, أطفال, نساء , حتى مسن يبلغ 73 من العمر أبكم وأصم لم ينج من غطرستهم, ثم بعد ذلك تنسحب لتعود من جديد, إنه التسونامي في آثاره وارتداداته.. أما الجوع فهذا شكل آخر من أشكال الإبادة الجماعية فمن أفلت من القصف جوا وبحرا وبرا سيموت حتما ببطء وألم ..كل ما يحدث تتابعه الشعوب العربية دون تحريك ساكن وكأن ما يحدث فيلم خيالي ,ماذا أصاب الأمة العربية والإسلامية حتى ترضى بكل هذا الهوان ؟فالقتل والحصار وسفك الدماء لم يتوقف حتى في شهر رمضان يا دول الجوار, ويا شعب الجوار ماذا حل بضمائركم؟ بالأمس البعيد خضتم حروبا وكنتم جسدا واحدا ولم يكن هناك توثيق ,ولا مباشرا, ولا شبكات تواصل اليوم المجازر متلفزة فأين العروبة والنخوة؟ نشاهد الأحداث وكأننا ننتظر معجزة توقف هذه الحرب ,توقف هذه الإبادة,توقف هذه المجاعة..
إن إسرائيل لن يوقف حربها الهمجية على قطاع غزة مجلس الأمن والفيتوالأمريكي ,ولا محكمة العدل الدولية وتدابيرها المؤقتة,ولا محكمة الجنايات وطول فترات التقاضي, ولا جامعة الدول العربية وحساباتها الضيقة, هي الشعوب العربية فقط تملك القوة لمواجهة إسرائيل وإنقاذ أهل غزة,لواحتلت الساحات دون عودة إلى الديار حتى تتوقف الحرب على غزة ما كانت لتستمر الحرب إلى يومنا هذا, لما جاعت إمرأة لما مات طفل ,لما أغلقت المعابرالبرية , لماذا ذاكرتنا باتت قصيرة كم أوقفت المظاهرات والتحركات الميدانية حروبا وعدوانا على القطاع إن ضحايا غزة يستنجدون يوميا بكم فلا تخذلوهم.
سيبقى محمدُ الدرة
شُهودَ عِيانْ
على زَمنٍ من التقتيلِ والتَّنكيلِ
والطُّغيانْ
سيبقى وَصْمَةَ العارِ
التي حلَّتْ على العالمْ
ولن تُمحى بأيِّ زمانْ
لأنَّ مُحمدَ الدُّرَّة
هو الوطنُ
هو القُدسُ
هو الأرضُ
هو العِرضُ
فكيفَ لنا تركناهُ
تجرَّعَ وحدَهُ الجُرحَ،
وهدَّتْ أمَّهُ الأحزانْ؟
يُطلُّ مُحمدُ الدُّرَّة
بوجهٍ كالنبيينَ
نُواري وجهَنا منهُ
فأيُّ هَوانْ
ويصرُخُ في ضمائِرِنا
هُنا بُركانْ
أغيثوني أنا إنسانْ
أغيثوني أنا إنسانْ
الشاعر عبد العزيز جويدة