
ألا تعد خطة ترمب للسلام بمثابة دعوة للاستسلام .. ؟!…ياسين فرحاتي- كاتب من تونس.
دعما لأشقاءنا الفلسطينيين المحاصرين و المجوعين في غزة انطلق منذ أكثر من أسبوعين، أسطول الصمود الذي يضم عشرات السفن العربية كسفينة ” شيرين أبو عاقلة ” و سفينة أنس الشريف ” و كلاهما من شهداء الكلمة الذين إغتالتهم إسرائيل و سفن أخرى تضم صحافيين و إعلاميين مثل مراسل قناة الجزيرة لطفي حجي و طبعا السفن الأوروبية بهدف كسر الحصار و وقف الحرب عن قطاع غزة و لكن الاحتلال يهدد و يتبجح بالقول علانية بأنه لن يسمح لها بدخول مياه القطاع و قد حاول إرباك سير رحلتها و هي لا تزال في مياه المتوسط في طريقها إلى فلسطين عبر التشويش عليها و تحليق الطائرات الحربية و المسيرات فوقها مما اضطر إسبانيا و إيطاليا إلى أن ترسل كل واحدة منهما سفينتين حربيتين بغاية الحماية و تأمين الرحلة. لكن المشاركين في أسطول الصمود يتهمون إيطاليا بالتواطئ مع إسرائيل و أنها لعبة في يدها ذلك أنها تدعوا المشاركين إلى التوقف عن الإبحار و العودة إلى البر. و يبقى أملنا أن تتفوق الإرادة و العزيمة لدى قوى الحق فتنتصر على الباطل و الاستكبار الصهيونيين فتدمغهما و هذا ليس على الله بعزيز.
و نحن على مقربة من إحياء الذكرى الثانية لعملية طوفان الأقصى البطولية و التاريخية و التي نفذتها حماس في السابع من أكتوبر عام 2023، و في خضم حرب إبادة جماعية على قطاع غزة و اشتداد المعارك في مدينة غزة بين حماس و العدو الصهيوني في خطة يزعم نتنياهو أنه يريد القضاء فيها على الحركة، يتواصل نزيف الدماء و عداد الشهداء الأبرار و سقوط الأبرياء من الأطفال و النساء حيث بلغ 66 ألفا إضافة إلى عشرات الآلاف من المصابين إصابات بالغة الخطورة. و تستبسل المقاومة في مقارعة العدو و تكبيده خسائر في العدة و العتاد مما يؤكد صمودها و هي التي لا تتلقى أي دعم خارجي بل هي محاصرة منذ عقدين من الزمن و لكن صبرها لا يستطيع على تحمله إلا أعاظم الرجال المجاهدين المؤمنين.
و في الأثناء، يتواصل الحراك السياسي و الدبلوماسي الدوليين و الذي تزامن مع انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك خلال شهر سبتمبر، حيث اجتمع وفد من القادة العرب مع الرئيس الأمريكي بخصوص إيجاد حل عاجل و نهائي لمعاناة أهالي القطاع و قد اتفقوا على مبادرة من 12 نقطة تقدم بها الرئيس ترمب لعل أهم ما فيها وقف الحرب و نزع سلاح حماس و إطلاق سراح الأسرى الصهاينة و الأسرى الفلسطينيين و إقامة مجلس سلام في غزة برئاسة ترمب و إحلال حكومة تقنوقراط لحكم القطاع لا وجود فيها البتة لحماس و نقاط أخرى . و قد أمهل ترمب حركة حماس أربعة أيام، للرد الإيجابي على مبادرته في وقت يجتمع فيه في الدوحة وفد قطري و وفد مصري و وفد تركي مع وفد حماس. و قد هدد بأن يعطي الضوء من جديد لنتنياهو ليفعل ما يشاء في القطاع و تحويله إلى جحيم. و للتذكير بأن طائرات العدو حاولت اغتيال قادة حماس في الدوحة لكنها فشلت في ذلك بينما استشهد نجل رئيس الحركة خليل الحية رحمه الله.
كل ما يهمني و هو جوهر مقالتي و السؤال المركزي هو بأي ثمن يمكن أن تقبل حماس نزع سلاحها في إطار هذه الصفقة الملغومة و التي مدسوس فيها السم و قد اعتبرت الحركة أن كل ما تتضمنه منحاز بشكل كبير و مفضوح و كما المبادرات السابقة إلى حكومة العدو لكنها أعربت أنها ” تدرسها بمسؤولية “.
لا يكفي ان تتخلى حماس عن حكم القطاع بل تتجرد بالكامل من سلاحها و تسلمه للأعداء و لست أدري من أين جاؤوا بهذا الشرط غير المعقول و غير المنطقي و الأبله و المعتوه لأن فلسطين بلد محتل و الاحتلال الصهيوني جاثم فوق صدره و متى سلم قوة مدافعة عن أرضها لحماية أرضها و شعبها و أمنها لعدوها. إنه دعوة أمريكية و صهيونية صريحة إلى الاستسلام بلا قيد أو شرط. و أعتقد جازما أن حماس سترفض رفضا قاطعا هذا الشرط مهما ترتب عنه لأن التضحيات التي قدمها الغزاويون ليست بالأمر الهين و لا يجب أن تذهب سدى لأن الجيش الإسرائيلي نفسه منهار و مهزوم و قنوط و لولا دعم أمريكا و الغرب لاستسلم قبل هذا الوقت بكثير أمام ضربات و صمود المقاومة الفلسطينية الباسلة. عليها أن تفاوض بذكاء و أن تستشير أخلص و أوفى أصدقاءها و أن تواصل ثقتها في النصر و في الفرج القريب بإذن الله تعالى.
ما يمارس على حماس من ضغوط جمة هو نفسه ما يواجهه حزب الله في لبنان و هو شريك فعلي في حرب غزة و قدم المئات من الشهداء لعل أبرزهم زعيم الحزب السيد حسن نصر الله رحمه الله و غفر له و نائبه هاشم صفي الدين. اليوم يضغط المبعوث الأمريكي باراك على الرئيس اللبناني جوزيف عون في إتجاه نزع سلاح الحزب المقاوم و جعله بيد الجيش اللبناني هذا الأخير الذي هو عاجز عن حماية نفسه و حدوده. الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم يرفض بشدة هذا الطلب و يعتبره انبطاحا و تماهيا مع مطالب العدو الصهيوني الذي يسطر على خمسة مواقع في الجنوب اللبناني و لم ينسحب منها و يواصل هجماته و استهدافه الحزب و قتل المدنيين .
على المقاومة الفلسطينية و اللبنانية أن تواصلا الصمود لأنه من شروط التأقلم مع المتغيرات و تبحثا عن بدائل مشتركة و تضعا في الحسبان دروس التاريخ الاستعماري و أسباب سقوط و تهاوي الأمم المتضمنة في مقدمة إبن خلدون و إن عوامل الوهن و الضعف جلية في كيان العدو و لم تعد المسألة إلا مسألة وقت و ثمة أسباب يهيؤها الله سبحانه لتحقيق النصر و ما النصر إلا صبر ساعة.
الاحتلال لا يعترف بعهود سمته الغدر و هو يخطط لأسوأ السيناريوهات في الجريمة السياسية و ما على المقاومة إلا الحيطة و الحذر و الفطنة و المكر و الدهاء السياسيين و التقليل من الظهور العلني في المؤتمرات الصحفية المباشرة و حوكمة الاتصالات السرية فيما بينهم و الثبات على المبدأ و الله ولي التوفيق.
و في علاقة باجتماعات و خطابات قادة العالم لفت الانتباه حضور شخصيات سياسية مؤثرة لعديد الدول حيث ندد كثيرون منهم بالحرب الصهيونية على الشعب الفلسطينيي في إعلان واضح عن صحوة ضمير خصوصا بعد اعتراف عديد الدول بالدولة الفلسطينية كإسبانيا و فرنسا و بريطانيا و هولاندا و دول من أمريكا الجنوبية و من المعلوم و منذ أشهر عديدة ان رئيس وزراء الكيان هو مجرم حرب و مطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية و محكمة العدل الدولية حتى أن طائرته أمضت رحلة امتدت 13 ساعة تجنبا لأي عملية اعتقال و تجنبت عبور الأجواء الأوروبية و هو أمر ركزت عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية و اعتبرت ذلك إشارة واضحة إلى كيانهم ككيان منبوذ و خارج عن القانون و لذلك يجب معاقبته فلا بد للعدالة أن ترى النور يوما ما و ينال الجلاد جزاءه.
و في نظرة إجمالية تربط الأمور ببعضها البعض في إطار ” الفكر المنظومي” الذي يركز على الأهداف و العلاقات بين الأشياء أكثر من تركيزه على العناصر ذاتها. حيث أن السياسة علم يدرس الدول و أنظمة الحكم كمنظومات ديناميكية مركبة تتطور مع الزمن في عالم غير خطي، مضطرب، سريع التغير و من الصعب جدا التنبؤ بمصيره. على علم السياسة أن ينسجم مع ما جاء به الشرع قبل و أكثر من أن يعتمد على العقل كما قال المفكر و المصلح رفاعة رافع الطهطاوي كما ورد في مقالة بقلم المفكر الراحل محمد عمارة في مجلة العربي الكويتية. لكن لدى الغرب العلماني و هنا أؤكد على تجربة الطهطاوي الدراسية في باريس بفرنسا حيث كان الانحراف الأخلاقي منتشرا و الإلحاد و البدع و الضلالة و هو يرى أن الدين يجب أن يكون مصدر و رافد السياسة لكي ينتهي الظلم و الاستبداد و الطغيان.
و هنا أريد أن أقحم رأيا فلسفيا صدر عام 2008 بالقاهرة، في كتاب ” العيش سويا : قراءات في فكر فتحي التربكي – أوراق فلسفية ” للدكتور أحمد عبد الحليم عطية يطرحه المفكر التونسي يتعلق ب ” فلسفة التنوع ” حيث يعتقد أنه باعتماده على التحديد الداخلي و التحديد الخارجي للفلسفة مركزا على الخصوصية و التنوع في الأفكار الفلسفية و من ثمة سيكون أمام أي قراءة للتراث و التاريخ ضرورة العمل على عدم الانغماس في النمطية الغربية المؤسسة على منطق العقل الموحد و تبني لنفسها منطق التنوع المؤسسة على النقد و الاختلاف و الحرية.
و هو يرى أن المعقولية و التعقل و العقلانية يمكن بواسطة تظافر أحدها او مجتمعين إحلال السلام و خصوصا ” العيش المشترك ” و الذي ينادي به الفيلسوف التريكي.