أولاد التلفزة يعيدنا إلى الزمن الجميل في الإعلام الرياضي… سامي النيفر
اهتمّ برنامج “أولاد التلفزة” هذا الأسبوع بالإعلام الرياضي الذي يبقى دون شكّ إحدى ركائز التلفزة الوطنية عبر أكثر من نصف قرن من الإبداعات المتواصلة… ولهذا الغرض، كان ضيوف المجتهدة يسر الصّحراوي مزيجا بين الخبرة والطموح…
ويبقى الكابتن الرّصين الرّزين توفيق العبيدي أحد أهم المبدعين في تاريخ التلفزة والذي يسهل تمييزه بصوته العذب الجميل وحسن إلقائه الذي لا يثقب طبلة الأذن كما يحصل الآن مع المُتَأتِئين والمُغالين والمتعصّبين والصّارخين المهرّجين الذين جعلوا من المباراة ساحة حروب مشتعلة إرضاءً لجمهور المقاهي وتهييجا لمشاعرهم وأعصابهم بعيدا عن التحليلات التكتيكية وإعطاء الإحصاءات والهوامش والكواليس… توفيق العبيدي هو المعلّق والإنسان الخلوق الصّادق الجدّي، وضّح الفرق بين التعليق الإذاعي والتلفزي الذي يعطي أقل تفاصيل عن الصورة دون لغو أو ثرثرة لا تضيف شيئا، بالإضافة إلى المؤتمر الذي أُقيم في تونس في سبعينيات القرن الماضي لتوحيد المصطلحات وتعريبها في الإعلام الرياضي وكذلك مغامرته الصعبة في مباراة المغرب عندما دار محيط الملعب 3 مرات ثمّ تسلّق الجدار وعلّق من مكان بعيد والمضايقات التي تعرّض لها المنتخب الذي تأهّل في النهاية للألعاب الأولمبية 1988 رغم كل الصعوبات فكان تفاعله مع هدف لاعب القرن في تونس بقوله : “طارق يا معلّم خَلِّ الشّبكة تتكلّم” والتي سبقها المتألّق رضا العودي قبل أسبوع بعبارته الشهيرة : “هدف ما ثمّاش” عندما سجّل نفس اللاعب في مرمى المغاربة في مقابلة الذهاب… كما تحدّث منذر الجبنياني عن تمكّن رئيس مصلحة الرياضة من نيل حقوق البث التلفزي بعد نضالات وجهد وألم لا يعلمها المشاهد الذي تمكّن في ذلك الوقت من مشاهدة رابطة أبطال أوروبا وكأس العالم وكأس إفريقيا والألعاب الأولمبية وملخّصات الNBA عبر شبكة علاقات واسعة وطريقة ذكية في التفاوض ولنا أن نقارن بين الأمس واليوم الذي لا نستطيع فيه حتى مشاهدة مباريات البطولة المحلية، وبيّن اسكندر الحجّام ومحمّد علي بوزقرو ورجاء السعداني خصال الكابتن توفيق الذي شجّعهم ولم يبخل عليهم بالنصائح… علما أنّ هذا الرجل كان يقوم بالتفاوض والمونتاج والتعليق حين يذهب أحيانا خارج حدود الوطن في مغامرات صعبة يحسده عليها الجاهلون وقد وقع تهديده بسلاح ناري سنة 2001 في مباراة تونس ضد الكونغو الديمقراطية ومع ذلك أعاد تركيب الخيوط وواصل التعليق… وهو المشهور بصبره ومثابرته وتحدّيه الصعاب وتقديم أدق التفاصيل لتوضيح الصورة للمستمع سواء في حياته المهنية وحتى الاجتماعية فيفصّل الكلام تفصيلا…
كذلك حضر القيدوم المنجي النّصري الذي يواصل العمل منذ 1974 والمشهور بأبياته الشعرية العفوية وبحرصه كذلك على اللغة العربية ولكنّه ظنّ أنّ فعل “طاح” من الدارجة بينما هو من الفصحى أيضا… وتكلّم منذر الجبنياني عن مسيرته في الأحد الرياضي وخاصة في قناة 21 التي أطّر فيها الجيل الجديد الطامح آنذاك والتي قدّم فيها أهمّ المباريات في القسم الوطني وخاصة في الأقسام السفلى وكانت تلك مهمّة غير سهلة موجّها شكرا خاصا للصادق بوعبان..
وحكت لنا رجاء السّعداني عن إنجازات الإعلام الرياضي النسائي معها ومع سهام العيادي ورستم الشّريف وقد قدّم ثلاثتهنّ ستوديوهات ألعاب البحر الأبيض المتوسط تونس 2001 بالإضافة إلى المتمرّسة هدى المزوغي التي نفتقدها كثيرا اليوم… وفي هذا الصدد، أثنى منذر الجبنياني على جماهير الملاعب التي لم تكن تضايق المراسلين من الرجال أو النّساء على حدّ سواء أمّا اليوم فنفتقد للروح الرياضية. ويضيف اسكندر الحجّام أنّ المتابعين أصبحوا صعاب المراس بتعصّبهم فيلومونكَ في ترتيب بثّ ملخّصات المباريات رغم أنّه لا بدّ لك أن تنقل مقابلة أولى فثانية فثالثة ولكنّهم يشخصنون الموضوع وكل “كلمة بحسابها” حتى لو كانت دون قصد وقد أصبح الإعلامي الحاضر في الميدان يخشى من ردود الفعل العنيفة من الجمهور في حال الهزيمة…
ولا ننسى محمّد علي بوزقرّو الذي اشتهر بمغامراته المثيرة داخل أدغال إفريقيا في أماكن مخيفة تجرّأ على دخولها خدمة للمشاهد الذي يريد شيئا جديدا وقد نجح برنامج “الكان” في تقديم مادّة دسمة رغم عدم الحصول على حقوق البث وكان من تقديم رازي القنزوعي الذي تذكّره الكل بحسرة.. كيف لا وهو أكثر من نشّط البرنامج العريق الأحد الرياضي باقتدار حوالي 15 سنة وأحدث نقلة نوعيّة في الإعلام الرياضي وله كاريزما لا تُقاوم أمام الشّاشة وكان على الحضور تذكّر “أجواء الملاعب” الذي جعل منه الكفء الجميل رازي القنزوعي شبيها برياضة بين الملاعب في الإذاعات وهو معدّ ومقدّم ومنتج تتحسّر التلفزة العموميّة عليه كثيرا بلا ريب فعودة ميمونة لعميد الأحد الرياضي اليتيم من بعده…
وتحدّث الحضور عن طرافة محمّد بوغنيم ودعابته أثناء التعليق وحتى في الكواليس مع زملائه والكاميرا الخفية وعبارة “اعطني راس” و”يطيح بوغنيم وما تطيحش باجة” وكان رحمه الله طيّب القلب رغم طباعه الحادّة في العمل أحيانا.. وبيّنوا أنّ عبد العزيز العروي كان أيضا معلّقا رياضيّا يصف أحداث المباريات بنفس البراعة التي اشتهر بها في رواية القصص المشوّقة. كما أثنوا على أخلاق عبد المجيد بن إسماعيل ومعاونته للجميع ولكن كان عليهم أن يشيروا إلى أنّه كانت لديه طريقة فريدة في تقديم الإحصاءات. ولم ينسوا الحبيب العجيمي صاحب الصّوت الشّجيّ المطرب في “الرّياضة في العالم” وتقديم منتخبات كأس العالم وعديد التقارير (الرّوبورتاجات) بالإضافة إلى كونه كان أرشيفا في حدّ ذاته كما قال منذر الجبنياني ومساهمته الفعّالة في إعداد الأحد الرّياضي..
وبصفة عامّة، ذكر الضّيوف أسماء متألّقة في الإعلام الرياضي على غرار عبد الحميد رقاز وحسين الوادي وإبراهيم المحواشي ورؤوف بن علي أول مقدّم للأحد الرّياضي سنة 1970 والطّاهر مبارك ورضا العودي وصالح القادري وهشام الخلصي وخليفة الجبالي والمكي شبيل ومحمّد الكيلاني والنّجم الأسطورة نجيب الخطّاب والحبيب هميمة وعماد الكيلاني في الأرشيف وأحمد الصّالحي الذي أحدث طريقة جديدة في الاستجوابات تعتمد على الطرافة والمشاكسة، واعتذر الجميع سَلَفا عن نسيان بعض الأسماء وذلك منطقي جدّا بالنظر للتاريخ الثري الحافل بالنجاحات لتلفزتنا الوطنيّة في كل المجالات بصفة عامة وفي الإعلام الرياضي بصفة خاصة…
حديث ذو شجون كالعادة في حصة “أولاد التلفزة”، وعلينا أن نستلهم من تجارب الماضي الجميل لبناء مستقبل أفضل للتلفزة الحكومية التي تبحث عن استعادة أمجادها… والغريب أنّ أكثر هذه الكفاءات موجودة إلى اليوم وهم حتما قادرون على العطاء كما فعلوا ذلك سابقا سواء بالإعداد أو التقديم أو التأطير والنصيحة.