أين تذهب روح الإنسان بعد الموت؟
“الجواب :السلام عليكم ورحمة الله : إنَّ حقيقةَ الإنسانِ هيَ بروحِه لا ببدنِه، وإنَّ هذهِ الرّوحَ لا تفنى بفناءِ الجسدِ وإنّما تنتقلُ الى عالمٍ آخر هوَ البرزخُ، قالَ تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوتِهَا وَالَّتِي لَم تَمُت فِي مَنَامِهَا فَيُمسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيهَا المَوتَ وَيُرسِلُ الأُخرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ ([الزّمر:42], وقالَ تعالى: (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ رَبِّ آرجِعُونِ، لَعَلِّي أَعمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِن وَرائِهِم بَرزَخٌ إِلى يَومِ يُبعَثُونَ).[سورةُ المؤمنونَ: الآية 99]. وروحُ الإنسانِ تبقى حيّةً بعدَ خروجِها منَ الجسدِ وإنتقالِها إلى عالمِ البرزخِ، ومعنى أنّها حيّةٌ أنَّ لهَا عقلاً وإدراكاً، ويدلُّ عليهِ ما جاءَ في قولِه تعالى في قصّةِ حبيبٍ النّجّارِ( : (قِيلَ ادخُلِ الجَنَّةَ قَالَ يَا لَيتَ قَومِي يَعلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكرَمِينَ) [يس:26ـ27], فإنّهُ هُناكَ وهوَ في عالمِ البرزخِ يتمنّى أن يعلمَ قومُه ما أنعمَ اللهُ عليهِ والتّمنّي فعلٌ منهُ ، وكذلكَ قولُه تعالى: ( وَلاَ تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَموَاتاً بَل أَحيَاء عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضلِهِ وَيَستَبشِرُونَ بِالَّذِينَ لَم يَلحَقُوا بِهِم مِّن خَلفِهِم أَلاَّ خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُونَ ( [آلُ عمران:169], فهيَ صريحةٌ بحياتِهم بعدَ المماتِ, وأنّهم يفرحونَ ويستبشرونَ. ثُمَّ إنَّ هُناكَ صِلةً بينَ الحياةِ الدّنيا وحياةِ البرزخِ بمعنى إمكانِ الإتّصالِ بالأرواحِ ومُخاطبتِها وأنّها تسمعُ وتحسُّ بما يفعلُه الأحياءُ، قالَ تعالى فيما أخبرَ بهِ عَن نبيّ اللهِ صالح (عليه السّلام): (فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحُوا فِي دَارِهِم جَاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنهُم وَقَالَ يَا قَومِ لَقَد أَبلَغتُكُم رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحتُ لَكُم وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ([الأعرافُ:78،79] ، وكذلكَ في الرّوايةِ المشهورةِ مِن كلامِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) للمُشركينَ المَقتولينَ الذينَ ألقوا في قليبِ بدرٍ, وقولُه (صلّى اللهُ عليهِ وآله): (ما أنتُم بأسمعَ لِما أقولُ منهُم, ولكنّهُم لا يستطيعونَ أن يجيبوني)، وكذلكَ سلامُنا على رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في نهايةِ كُلِّ صلاةٍ، إذ لَو لَم تكُن هُناكَ صلةٌ بالنّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بعدَ وفاتِه فما معنَى سلامُنا عليه. وفي تفسيرِ عليٍّ بنِ إبراهيمَ القُمّيّ (ج2/ص94)، البرزخُ هوَ أمرٌ بينَ أمرينِ وهوَ الثّوابُ والعقابُ بينَ الدّنيا والآخرةِ وهوَ قولُ الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام): واللهِ ما أخافُ عليكُم إلّا البرزخَ. وفي الخصالِ للصّدوقِ (ره) (ص120) بإسنادِه إلى زينِ العابدينَ (عليه السّلام) في قولِه تعالى: (وَمِن وَرائِهِم بَرزَخٌ..) (هوَ القبرُ وإنَّ لهُم فيهِ لمعيشةً ضنكاً واللهِ إنَّ القبرَ لروضةٌ مِن رياضِ الجنّةِ أو حُفرةٌ مِن حُفَرِ النّار) وفي الكافِي للكُلينيّ (قدّسَ سرّه) (ج3/ص245) عنِ الصّادقِ (عليهِ السّلام): (فإذا قبضَهُ اللهُ صيّرَ تلكَ الرّوحَ في قالبٍ كقالبِه في الدّنيا فيأكلونَ ويشربونَ فإذا قدمَ عليهِم القادمُ عرفوهُ بتلكَ الصّورةِ التي كانَت في الدّنيا). فيمرُّ الإنسانُ – إذَن – بهذهِ المرحلةِ بعدَ الموتِ أي بعدَ دفنِه بالقبرِ, فالقبرُ أوّلُ منازلِ الحياةِ الأخرى كما نقلَ الفتّالُ النّيسابوريّ في روضةِ الواعظينَ, في الصّفحةِ (494) عَن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) (إنَّ القبرَ أوّلُ منازلِ الآخرةِ فإن نجا منهُ فما بعدَهُ أيسرُ منهُ وإن لَم ينجُ منهُ فما بعدَهُ ليسَ أقلَّ منه) وفي البحارِ للعلّامةِ المجلسيّ (ج74/ص371): قالَ الإمامُ عليّ (عليهِ السّلام) (يا ذوي الحيلِ والآراءِ والفقهِ والأبناءِ إذكرُوا مصارعَ الآباءِ فكأنّكُم بالنّفوسِ قَد سُلبَت والأبدانِ قَد عريَت وبالمواريثِ قَد قُسّمَت فتصيرُ يا ذا الدَّلَالِ والهيبةِ والجمالِ إلى منزلةٍ شعثاء ومحلّةٍ غبراء فتُنوَّمُ على خدّكَ في لحدِك… حتّى تُشقَّ عنِ القبورِ وتُبعثَ إلى النّشورِ. فإذَن هذهِ المرحلةُ منَ المراحلِ الطّبيعيّةِ التي يمرُّ بها الإنسانُ كما مرَّ مِن قبلُ بمرحلةِ الأصلابِ والأرحامِ ثمَّ مرحلةِ الدّنيا… وبعدَ الموتِ تكونُ أرواحُ المؤمنينَ في نعيمٍ وسرورٍ على عكسِ أرواحِ الكافرينَ والمُنافقينَ فإنّها تعيشُ في حياةٍ ملؤها الكآبةُ والعذابُ. ودمتُم سالِمين.
مركز الرصد العقائدي