احتلال تونس بـ”فدية ملك الإنكا”!
في مثل هذا اليوم قبل 488 عاما، انطلقت من برشلونة حملة الإمبراطور كارلوس الخامس لاحتلال تونس، بعد أقل من عام من “فتحها” على يد القائد البحري العثماني الشهير خير الدين برباروس.
برباروس واسمه الأصلي، خضر بن يعقوب، يعتبره الأوروبيون “قرصانا”، وهم من أطلقوا عليه هذا الاسم بسبب لحيته الحمراء، فيما كان في الدولة العثمانية والمنطقة الإسلامية شخصية كبيرة، وكان وزيرا للبحرية وقائدا للقوات البحرية، وواليا على الجزائر.
تونس كانت على مر التاريخ محكومة بموقعها الاستراتيجي الفريد، وهدفا لمطامع الغزاة، فهي بمثابة رأس جسر يربط القارتين الإفريقية والأوروبية، وهي قريبة من صقلية التي لا يفصلها عن الساحل التونسي إلا 150 كيلومترا فقط، بينما تبعد مالطا عن السواحل التونسية بضعف هذه المسافة.
كان هدف الحملة الإسبانية على تونس في عام 1535، انتزاعها من العثمانيين، واستعادة السيطرة على جنوب غرب البحر المتوسط، وكان ذلك الغزو، أول عملية هجومية كبرى للإمبراطور كارلوس الخامس في مواجهة التمدد العثماني في المتوسط ووقف ضغوطهم الكبيرة التي كانت اشتدت منذ عام 1520.
قبل ذلك قاد برباروس أسطولا ونزل في تونس في 17 أغسطس عام 1534، وأطاح بسلطان الدولة الحفصية التي كانت قائمة هناك في ذلك الوقت، أبو عبد الله الحسن، وكان مواليا للإسبان ومرتبطا بالتاج الإسباني.
استعد الإمبراطور كارلوس الخامس لغزو تونس وحشد حيشا قوامه حوالي 30 ألف جنديا، وأسطولا ضخما ضم 74 سفينة يدير مجاذيفها بروتسانتيون مقيدون بالسلاسل، إضافة إلى 300 سفينة شراعية.
الجيش الذي أعد في تلك المناسبة كان يضم إضافة إلى الإسبان، قوات إيطالية ووحدات بابوية وألمانية وبرتغالية علاوة على فرسان القديس يوحنا، بينما انضم إليه لاحقا مرتزقة ألمان وإيطاليون وإسبان.
اللافت أن هذه الحملة العسكرية الضخمة والتي تقدر تكاليفها بنحو مليوني دوكات ذهبية مُولت بواسطة الفدية التي حصل عليها الغازي الإسباني فرانسيسكو بيزارو مقابل إطلاق سراح ملك الإنكا أتاوالبا، ومن كنوز الإنكا المنهوبة الأخرى.
عن هذا الأمر اللافت يقول المؤرخ البريطاني الشهير آليستر كراولي: “لأول مرة يؤثر العالم الجديد في الأحداث في العالم القديم”.
برباروس أيقن استحالة النصر منذ بداية القتال نتيجة الفارق في العدة والعتاد بين الطرفين. تراجع في الأراضي التونسية ليحشد قواته، إلا أن الموقف ازداد سوءا حين ثار العبيد المسيحيون وكان عددهم يقدر بنحو 22 ألف شخص تحت قيادة فارس كان في الأسر يدعى باولو سيميوني، واستولوا على القلعة ووجهوا بنادقهم ضده.
اضطر هذا المقاتل إلى الانسحاب من المعركة الخاسرة، ورحل سرا مع عدة آلاف من صفوة قواته في مساء 21 يوليو نحو الجزائر ووصل إلى ميناء “بونة” بمدينة عنابة حاليا.
الإمبراطور دخل تونس مع قواته، واستبيحت المدينة وارتكبت بها الفظائع حيث قتل ما يقدر بحسب المصادر الأوروبية بثلاثين ألف مدني تونسي، وانتشرت الأوبئة من جثث الضحايا المتعفنة، بينما سيق الكثيرون إلى أسواق الرق، حيث بيع كل واحد منهم بثمن بخس يتراوح بين 4 إلى 6 عملات معدنية صغيرة!
خسر برباروس تونس لكنه واصل القتال ضد الأوروبيين. جمّع بقايا الأسطول العثماني وانطلق إلى مياه مملكتي نابولي وصقلية وكانتا تابعتين للإمبراطورية الإسبانية.
هناك على الطرف البعيد من سواحل المتوسط، وصل خير الدين برباروس إلى جزيرة كابري، حيث نزل بقواته، وهدد أعداءه، وبنى قلعة حصينة لا تزال قائمة، وهي حتى الآن تحمل اسمه.
المصدر: RT