
الإعلام وصراع الضوء: بين صناع المحتوى العفوي وأهل العلم…اشرف المذيوب
في زمن يركض فيه العالم بخطى سريعة، حيث تتقاذف عيون المشاهدين نحو كل جديد بلا توقف، يبرز واقع مؤلم: الإعلام يختار أن يسلط الضوء على اللحظات العفوية، المواقف الطريفة، والمحتوى السهل الاستهلاك، متجاهلاً أو مغيباً تلك الأرواح العلمية التي تحمل شعلة المعرفة وتهدف إلى بناء مجتمع واعٍ وقادر على مواجهة تحدياته.
الترفيه يتصدر المشهد… والعلم يُهمش
منصات التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي صارت تروّج للمحتوى الذي يسهل “بيعه” ويجذب الانتباه بسرعة، فتكاد اللحظات الطريفة والعفوية تهيمن على الساحة. في المقابل، المحتوى العلمي والتوعوي، الذي يحتاج إلى جهد وفهم عميق، يُترك في الظل، يُهمش ولا يجد الدعم الكافي، رغم قيمته الحقيقية التي تمتد إلى عمق المجتمع ومستقبله.
التحيز الإعلامي وتأثيره المدمر
هذا الانحياز لا يضر فقط بصناع المحتوى العلمي، بل يقود إلى تربية جيل يبحث عن الإشباع السريع والمؤقت، جيل يستهلك المعلومات بلا تدقيق أو تحليل. هكذا يزداد تعرّض المجتمع للمعلومات المغلوطة، وينخفض اهتمامه بالقضايا المصيرية التي تحتاج إلى وعي وعقل مفتوح.
لماذا نحتاج إلى التوازن الآن أكثر من أي وقت مضى؟
العلم والمعرفة هما العمود الفقري لأي نهضة أو تطور مستدام. لا يمكن أن يُبنى مستقبلنا على ترفيه سطحي عابر. الإعلام، كقوة مؤثرة في تشكيل وعي الجمهور، عليه أن يتحمل مسؤولية إيجاد توازن حقيقي بين الترفيه والتعليم، بين السطحية والعمق.
يجب أن يُشجّع الإعلام صناع المحتوى العلمي على اعتماد أساليب سرد جذابة تدمج بين المعرفة والترفيه، لتصل الرسالة بفعالية إلى قلوب وعقول المشاهدين. وفي المقابل، يتحتم على الجمهور أن يتحلى بالوعي والفضول لطلب المحتوى الذي يغذي العقل والروح، وليس فقط الذي يسلي ويستهلك بلا فائدة.
كيف يمكن أن نغيّر المشهد؟
دعم المحتوى العلمي: فتح مجالات وفرص أكبر لصناع المحتوى الذين يقدمون علمًا موثوقًا بطريقة مبسطة ومبتكرة.
تعزيز الثقافة الإعلامية: حث وسائل الإعلام على تنويع مصادرها وتقديم محتوى متوازن يمزج بين الترفيه والتعليم.
التربية على الوعي الرقمي: تعليم الجمهور مهارات التفكير النقدي والتمييز بين المحتوى السطحي والموثوق.
الشراكة بين العلماء وصناع المحتوى: خلق تعاونات تدمج بين عمق المعرفة وأساليب العرض المشوقة، لخلق محتوى يثري العقل ويلهم الروح.
خاتمة
في زمن أصبح فيه المحتوى سلعة ثمينة، علينا أن نعيد النظر فيما نستهلكه ونطلبه. الإعلام ليس مجرد ناقل للمعلومات، بل هو صانع للرأي والثقافة، ومسؤول عن تشكيل وعي المجتمع ومستقبله. لنجعل من العلم شمعة تضيء عتمة السطحية، ولنمنح أهل المعرفة مكانتهم الحقيقية، لأن مستقبلنا يبدأ باستثمارنا في عقولنا.