الاستشارة الوطنية : من أجل نظام جديد للتربية والتعليم…سلوى بن رحومة
اعتقد ان اي حرب يمكن ان تكون بخطة مختلفة باختلاف المرحلة و العتاد و القوة و الخصم ايضا .لذلك فاني اعتقد ان الحرب على الفساد المحيط بنا لابد له من خطط مغايرة حسب ما يقتضيه الميدان نفسه و حسبرقعة تفشي هذا الفساد.
التعليم وهو روح البنية التونسية النفسية و الاقتصادية .مصدر قوتها و منبع عزتها وامتنانها لمن اسس التعليم المجاني في تونس فانه لابد من التقيد بخطة واضحة للحاق بما تبقى منه و البناء عليها لعهود قادمة تؤمن بالعلم كمصباح للنور لاي ظلمة وكمفتاح يفتح كل ابواب الترقي و التطور و النصر و الاستقلال باشكاله .
التعليم في تونس مكسب منذ سنة 1958 باحداث مؤسسات الدولة الوطنية و تونسة التعليم .حيث كان الاصلاح يهدف الى فك الارتباط مع نظام التعليم الفرنسي الموجود في البلاد منذ 1883 . ومع ذلك كانت الاصلاحات محل جدل رغم انه عصارة عمل لجان .جاء كاختيار من مشروعين تقدما لرئيس الجمهورية يتراس الاول مزالي و الثاني محمود المسعدي وتبنى الرئيس مشروع المسعدي و استثمر فيه . المسعدي الذي اصدر كتابا بع ذلك بعنوان ” نظامنا التربوي ” يقدم فيه حصيلة تجربته على راس الوزارة . ولم تخل المسيرة التنفيذية لهذا المشروع من العوائق و العراقيل بحكم نقص الموارد البشرية و المالية .فقد تمت تونسة كافة الاطار التربوي فقط سنة 1968 . وكانت لهذه الاستقلالية درجة من التاثير على نوعية التعليم للظروف البيداغوجية الصعبة التي عاشها التلاميذ انذاك . اذ يمكن اعتبار القرار شجاعا كما يمكن اعتباره مجازفة . فالمتخرجين من دور الترشيح لم يكن عددهم كافيا ومع ذلك وقع انتداب مربين صنف ثاني من خارج سلك التعليم لتفاي النقص . هذا الارتجال يقال انه اثر على المستوى التعليمي وجودته .
ثم بعد انقلاب 1987 وقع تبني مشروع اصلاح التعليم كاحد ركائز الاصلاحات و ابرز الاهتمامات حيث اطلق محمد الهادي خليل وزير التربية انذاك استشارة امتدت على سنتين والتي انتهت الى محاور اربعة من بينها تعميق الهوية العربية الاسلامية ، دمقرطة التربية و التكوين و العلوم و التكنولوجيا و وقع اقرار المدرسة الاساسية كركيزة للاصلاح في المخطط السادس وهي تجرية مستنسخة من دول اخرى تقضي بالانتقال الالي و الابقاء على التلميذ الى سن التسع سنوات بالمدارس . وبعد ثلاثين سنة الوزير نفسه الذي قدم هذا المشروع ينشر بعد ثورة 11 ديسمبر 2011 في جريدة الشروق بتاريخ 19 مارس 2011 مقالا تحت عنوان “هكذا خطط نظام بن علي للقضاء على مجانية و اجبارية التعليم ” هذه التجربة التي ارادت ان تذهب بعيدا فطرحت شعارات كثيرة مثل التعريب الذي كان لبعض المواد العلمية و الذي يقيمه الباحثون بانه قد اضر بها او حذف المناظرات التي غيرت بعض المؤشرات نحو التراجع في المستوى الدراسي للتلميذ .
لعل كل ما تعرضت له هذه المحاولات من خيبات في الوصول الى المستوى المأمول التي تطمح اليه الاصلاحات كان يعزى الى الاملاءات الخارجية .
اما الان ونحن مع حكومة لا تعترف بهذه الاملاءات و تحاول جاهدة فك كل الروبط القديمة بها قوية كانت او ضعيفة خفية كانت او ظاهرة هامة كانت او عابرة فاننا على ابواب مرحلة جديدة حقيقية من الاصلاح . لكن هذا لا يعني ابدا ان هذه التجربة ستكون كاملة الشروط اذ كل عملية اصلاح لابد ان تتوفر فيها عدة شروط غير النوايا و المبادرات وهي اولا واخيرا البرنامج الاصلاحي الحقيقي الذي يمكن ان يخرج بنا من مفترق الطرق الى طريق واحد يحترم فيه دور المربي الكفء وصاحب الخبرة البيداغوجية و الباحث الاجتماعي و المختص الاسري .
ولعل اطلاق استشارة للجميع تعنى بالتربية و التعليم ومشاغلها الحالية و طموحاتها في قادم السنين يعني انبثاق اللبنة الاولى للاهتام بهذا الموضوع وتشريك اكبر عدد من التونسيين فيه باعتبار نسبة التمدرس العالية لدينا واتساع نسبة النمخرطين في العمل الجمعياتي و الثقافي و الاجتماعي . ولعل في القادم تكون هناك مبادرة خاصة بمن هم اهل المهنة وادرى بشعابها على ان يتحضروا لاعداد اجماع لوجات النظر فيما يمكن تقديمه لجيل قادم او اجيال سوف تكون تونس مدينة لهم فيها بنجاحهم الباهر وازدهار الوطن.
لكن الاعمال الحكومية تبقى معلقة نتائجها اذا لم تضخ لها الوزارات المجاورة الدم اللازم في الشرايين فهذه الاستشارة تحتاج الى اكثر من منصة واقعية ومنبر حوار على ارض الواقع معه تتبلور المشاريع ونصل الفروق بالافكار . هذه فرصة للمشاركة لا تنتضروا فرصا اخرى ولا تعزلوا انفسكم عنها لان التعليم ركيزة من ركائز الدولة و لا يقتصر على مشروع تربوي معزول .