التخطيط الاقتصادي والمتابعة الدورية أكثر من ضرورة بقلم حسونة جمعاوي
يعتبر التخطيط على المدى القريب والمتوسط او البعيد أهم ركيزة تعتمدها أغلب بلدان العالم سواء كانت شيوعية أو اشتراكية او حتي الرأسمالية منها.
وهي طريقة ترسم التوجهات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية وأيضا الآليات التي تعتمدها السلطة لتحقيق الأهداف الكمية والنوعية المرسومة سواء كانت سنوية ضمن ما يسمى “ميزان اقتصادي” او خماسية او ثلاثية ضمن “مخطط التنمية” او لمدة عشرة سنوات او اكثر ضمن “توجهات إستراتيجية عامة”.
نجحت تونس في اعتماد التخطيط الاقتصادي منذ اول الستينات الي حدود 2011، حيث تم إعداد وتنفيذ 10 مخططات خماسية متتالية دون اعتبار المخطط الثلاثي التجريبي الأول(1961/1963) ولم تتخلف سنويا عن إعداد ميزان اقتصادي سنوي يحدد سياسة الدولة في جميع الميادين خلال السنة الموالية. كما تم إعداد توجهات إستراتيجية عامة في بداية الثمانينات لتونس بعد سنة 2000.
ولا يمكن أن تنجح مثل هذه المخططات دون أن تكون تشاركية ومعدة من طرف مختصين في التخطيط متمكنين من الوضع العام الاقتصادي والاجتماعي المحلي والدولي خاصة. وقد ساهمت في إنجاز هذه الوثائق جميع المكونات الحية بالبلاد من جامعيين ومهنيين ومنظمات ومؤسسات وطنية وإطارات إدارية عليا.
وفي إطار الحرص على تحقيق ما تمت برمجته من أهداف كمية ونوعية، تقع المتابعة الدورية الدقيقة هي أهم مرحلة في التخطيط وإدخال التعديلات الدورية اللازمة عند الضرورة قصد ملاءمة الاوضاع الدولية والوطنية مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية المبرمجة. وقد نجحت تونس في ذلك عن طريق كفاءات عالية في المجال وطنيا وقطاعيا والدليل أن النتائج المحققة في جميع الميادين كانت تقترب أو تلامس التقديرات الواردة بوثائق المخططات الخماسية أو الميزان الاقتصادي السنوي.
وبحكم اختصاصي وتجربتي في هذا الميدان ساهمت هذه المخططات في تحقيق إنجازات كبيرة لخلق الثروة والضغط على التضخم وخلق مناخ أعمال سليم ساهم في دفع الاستثمار وخاصة الاستثمار الخاص وخلق مواطن شغل عديدة رغم ما شابتها من نقائص. وعلى سبيل الإفادة فقد بلغ معدل نسبة النمو 3,5% سنويا منذ 1961 إلى 2010 وبلغ معدل نسبة التضخم 4% سنويا. وهذا الفارق (بين نسبة النمو ونسبة التضخم) لم تحققه البلدان الصاعدة او المتقدمة. وهو مؤشر له أهمية بالغة لما له من انعكاسات مهمة للغاية على المجالين الاقتصادي والاجتماعي والسلم الاجتماعي وخاصة على القدرة الشرائية وقيمة العملة مع الدينار وأيضا مناخ الاستثمار الوطني والأجنبي.
والملاحظ ومنذ 2011 فإن الفارق بين المؤشرين تفاقم تدريجيا من سنة الي أخرى حيث تترنح نسبة النمو بين صفر و1% وبين 7 و10% بالنسبة لنسبة التضخم. والملاحظ أيضا أن الحكومات المتتالية لم توجه العناية اللازمة للتخطيط الاقتصادي وحتى وإن رأينا برامج وأهداف موثقة ضمن وثائق خماسية او سنوية وثيقة تونس ما بعد سنة 2035 فإن الإنجازات الكمية والنوعية تكون بعيدة جدا عن ما تمت برمجته. وهو يدل على ضعف تحديد الخيارات وعدم متابعة إنجاز هذه المخططات.
فعلى سبيل المثال اعتمدت منهجية إعداد المخطط التنموي 2023/2025 على 8 محاور طموحة جدا لم ير النور ولو جزء منها لدى كل الملاحظين المتابعين للشأن الاقتصادي. وفي ما يلي البعض من هذه المحاور ولكم التعليق:
- محور الإصلاحات الكبرى لم يدخل أي إصلاح حيز التنفيذ الي اليوم
- محور الاستثمار الخاص ومناخ الأعمال الذي تفاقم الي درجة الخوف
- محور السياسات القطاعية وهو اهم محور لأنه يشمل منظومات الانتاج التي أصبح اغلبها غير قادر على الإنتاج الموجه للداخل وغير قادر على منافسة الأسواق العالمية
- محور التوازنات الجملية التي سجلت عجزا مخيفا في جميع محاورها
- محور التنمية الجهوية لم تشهد الاهتمام اللازم
- محور تنمية رأس المال البشري والإدماج الاجتماعي
والمطلوب الاهتمام اكثر وبكل دقة بالجانب الاقتصادي وخلق الثروة والاهتمام خاصة بمحركات التنمية بعد ان تركزت مؤسسات الدولة من رئاسة الجمهورية إلى كافة المؤسسات المنتخبة. وقد بقي حسب رأيي تركيز مجلس اقتصادي واجتماعي على غرار ما كان عليه قبل 2011.