
التونسي بين الحياة الافتراضية والحياة العملية …سامي النيفر
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مرآة فاضحة لتناقض التونسي بين أقواله وأفكاره النظرية وممارساته في الحياة الواقعية إذ تجده يستنجد بالأقوال المأثورة لأحد الحكماء أو الشخصيات البارزة في التاريخ ويضع آية قرآنية تدعو إلى مكارم الأخلاق ويضع صورة القدس أو صورته أمام الكعبة أو المسجد النبوي ويضع شعار إلا رسول الله بينما يعطّل سنّته على أرض الواقع ولا يطبق شيئا مما ينشره على جداره بالإضافة إلى التفاخر بنشر صوره في أحد النزل الفاخرة أو في بلد أجنبي معروف أو مع زوجته وأبنائه وقبيلته وسيارته الفخمة… كأن الفايسبوك أصبح فضاءً لتبييض الناس وتلميع صورتهم وهو فرصة لهم للشعور بتوازن وهمي ونزع الإحساس بالذنب عبر مقالات وشعارات فضفاضة لا تمتّ للواقع بصلة وطبعا قد يشاركها أصحابه وهم بدورهم يعجبون بها للإحساس بالنشوة والمسؤولية وكأنهم أدوا دورهم وعوّضوا عن تقصيرهم في الحياة العملية.. حتى الصداقات والإعجابات قد تكون وقتية أو مصطنعة في الفضاء الافتراضي.. كذلك -ودون تعميم- يفعل الأستاذ في دروسه والمتفقد في محاضراته والمسؤول في ندواته والكاتب والإعلامي في مقالاته والإمام في خطبه بينما تصرفاته في الواقع سيئة جدا وعكس ذلك تماما حيث تجده يؤذي جيرانه وينشر الإفك والنميمة ويقطع الأرحام ويغش في الميزان ويرشي ويرتشي ويحقر الناس إلى غير ذلك من السلوكات المشينة الخاطئة… في المواقع الافتراضية، الكل يندّد بالظلم بل قد يدعي أن الآخرين هم من ظلموه والكل يكره الفساد والكل يحب الدين والأخلاق ويصبح رائدا وداعيا إليها فلماذا ينتشر الظلم والفساد بيننا انتشار النار في الهشيم مادمنا نعيش في كنف هذه الأخلاق الافتراضية الفاضلة ؟ حقيقتنا وشيمنا ومبادئنا وأخلاقنا لا تظهر إلا على الميدان حين نواجه صعوبات الحياة بصبر وعزيمة وثبات وفي تعاملنا الحسن مع الناس وعلينا أن ننسجم مع أنفسنا ونطبّق ما نقول وأن نكون أوفياء وصادقين مع شعاراتنا المعلنة وأن ننزع من قلوبنا أقنعة الرياء والنفاق والتظاهر بما ليس فينا حتى لا يتحقّق فينا قول الحق تبارك وتعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ”