الجمعية التونسية للتفكير الاسلامي والشؤون الدينية بيان بمناسبة عودة الحجيج
تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً، وبعد، فبمناسبة إعلان وزارة الشؤون الدينية عن المبلغ المالي لمعلوم حج الموسم الحالي 1445 للهجرة 2024 للميلاد، يهم الجمعية التونسية للتفكير الإسلامي والشؤون الدينية أن تبين للرأي العام الوطني حكومة وشعبا ما يلي :
لقد كانت الجمعية حاضرة ومتابعة بصورة مباشرة لكل ما يتصل بملف الحج سواء من منشورات الوزارة أم من عمل الوعاظ المباشرين، وذلك حتى يكون بيانها أقرب ما يكون للواقع، وراسلت الوزارة أكثر من مرة مستفسرة عن عديد المسائل التي تخص الحج بمراحله المختلفة، لكن الوزارة لازمت الصمت في الغرض. لذلك فإن بيانها هذا ومطالبها صادرة عن دراسة ومتابعة دقيقة للموضوع.
تطالب الجمعية الوزارة بما يلي :
ضرورة أن تتم تهيئة الحجاج وتعريفهم بالمرشدين المرافقين لهم في البقاع المقدسة من الآن، فيكلف كل مرشد بعدد معين من الحجيج لا يتجاوزون 45 حاجا يؤطرهم من أول يوم حتى ينهوا حجهم في البقاع المقدسة، (مرشد واحد لكل حافلة مسؤول عن تأطير الحجيج علميا وميدانيا ورسكلتهم في أرض الوطن قبل الذهاب إلى البقاع المقدسة وأثناء تواجدهم هناك، ثم يعد تقريرا بعد عودتهم إلى أرض الوطن لتقدر الدولة مدى الاستفادة الحاصلة للمواطن من أدائه لهذا الركن الشعائري التعبدي)،
ضرورة توفير مرافقة أمنية للحجيج تمنع دخول أي متطفل أجنبي إلى مخيمات الحجيج التونسيين وخاصة من أصحاب الفكر المتشدد الذين يستغلون هذه المناسبات لبث أفكارهم المناقضة لتوجه الدولة التونسية المدني الوطني وهو ما يؤثر سلبا على البناء الفكري والعقدي للمواطن الذي يؤدي الحج حيث تعود نسبة كبرى منهم وهي تحمل أفكارا متطرفة في كل نواحي الحياة ،
تطالب الجمعية الوزارة بنشر تقرير مفصل عن بعثات الحج لهذا الموسم والمواسم الماضية تبين ما حصله الحاج التونسي أثناء أدائه لهذه الفريضة الدينية وما حمله من أفكار قروسطية تناقض توجهات الدولة الوطنية التونسية المدنية،
تدعو الجمعية إلى ضرورة تكوين المرافقين والمرشدين تكوينا أمنيا إلى جانب تكوينهم العلمي بما يضمن حماية الحجيج التونسيين من أي تأثير فكري متشدد على الحجاج، وذلك من خلال إرسال مرشدين متكونين متضلعين من الثقافة الإسلامية ومتمكنين من مبادئ الدولة المدنية الحديثة التي نسعى جميعا إلى تركيزها في بلادنا، مع ضرورة حماية مخيمات الحجاج التونسيين من أي متطفل خارجي قد يفد عليهم داخل مخيماتهم ويبث فيهم سمومه وأفكاره القروسطية التي تناقض مبادئ الدولة المدنية.
ضرورة توفير بطاقات تحديد المكان G¨PS في هواتف الحجيج تيسر متابعة الحجيج وتمنع ضياعهم وخاصة من كبار السن والأميين والمرضى الذين يتعرض أكثرهم إلى ضياع حين أداء المناسك،
ضرورة توعية الحجيج التونسيين بأن من كان عاجزا عن الطواف وهو يريد تكليف غيره لأداء ذلك المنسك فالأولى له أن يكلف حاجا تونسيا من الحجاج الذين ذهبوا معه ولا يكلف شخصا أجنبيا لا يعرفه من الذين يأتون المخيمات ويعرضون خدماتهم على الحجيج فيكلفهم البعض إحسانا للظن بهم،
من المعلوم أن الحاج قد يرتكب بعض الأخطاء التي عليه إصلاحها، وإصلاحها يكون إما بدفع مقدار مالي يسمى الفدية وإما بدم يسمى الهدي، ومن المعلوم أن الله تعالى قد حدد للحاج مكان تقديم نوع من الهدي فقال هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ، وترك للحاج تحديد زمان ومكان تقديم باقي أنواع الهدي والفدية، ولذلك فإنه يمكن للحاج أو المعتمر أن يصرف أنواع الهدي والفدية تلك التي لم يحدد الله لها مكانا أن يصرفه خارج الحرم المكي لفائدة فئات أخرى من المسلمين مثل الفقراء وطلبة العلم والمرضى من أبناء الوطن يمكنه أيضا تقديمه لإعانة الشعب الفلسطيني من خلال منظمة الهلال الأحمر التونسي أو غيره من القنوات الوطنية الرسمية التونسية الموجودة المتكفلة بالموضوع،
في سبيل الضغط على الكلفة المالية للحج تقترح الجمعية اعتماد الرحلات البحرية عوض الاقتصار على الرحلات الجوية فقط.
إلى جانب ذلك، فإنه يهم الجمعية التونسية للتفكير الإسلامي والشؤون الدينية أن تبين ما يلي :
لقد أعدت وزارة الشؤون الدينية منظومة إعلامية للحج، وطالبت باعتمادها للترسيم، ولكنها لم تدرب الوعاظ المباشرين للحج على تلك المنظومة، بل تركتهم يتخبطون في تكوينات فردية لدى أناس غير متخصصين، وهو ما جعل كل عملية الترسيم مشكوك فيها واستوجب بالتالي عرضها على لجان تحقيق محايدة للتأكد من صحة القائمة المعلنة للحجيج،
تعتبر الجمعية أن اعتماد مقياس الأقدمية يسمح بالتلاعب بملف الحج، ولذلك فهي تدعو إلى اعتماد مقياس علمي لا يمكن الطعن فيه ولا التلاعب فيه بأي طريقة كانت وذلك لا يكون إلا باعتماد مقياس الأكبر سنا فالذي يليه، وهو ما يسمح بالقضاء المبرم على كل أشكال المحسوبية والفساد والتلاعب بالملفات،
تعتبر الجمعية أن العمل الأساسي للواعظ هو الخطاب الديني بجميع مراحله الأربع : تصورا وإنجازا ونشرا وتقييما، في حركة لولبية تصاعدية، وأما ما سوى ذلك، من تفقد المعالم الدينية ومتابعة بنائها وتقدير نواقصها، فما هو إلا أعمال خارج نطاق اختصاص الواعظ أولا، وثانيا باستطاعة أي كان القيام بها، وهي لا تتطلب أي تكوين شرعي علمي دقيق،
تطالب الجمعية الوزارة والحكومة والنيابة العمومية بفتح تحقيق إداري وقضائي للوقوف على التجاوزات الحاصلة في مواسم الحج سواء لهذه السنة أم للسنوات الماضية، ذلك أن ملف الحج هو ملف فساد بامتياز يتطلب التدخل السريع والحاسم والحازم لإنهاء ما يعرفه من تلاعب سواء على المستوى المالي أم على المستوى الفكري وهو الأخطر وما يحمله الحاج أثناء أدائه لفريضته بسبب غياب التأطير الديني وغياب وزارة الشؤون الدينية عن متابعة ظروف الحجاج العلمية والتكوينية أثناء تواجدهم في البقاع المقدسة.
تعتبر أن انعدام الرؤيا الاستراتيجية الواضحة وغياب الهدف والوسائل المرجعية لعمل الوزارة وانعدام أي دليل للإجراءات يبين حقوق كل المتداخلين في الشأن الديني -من وزارة ومن مديرين جهويين للشؤون الدينية ووعاظ محليين وأئمة خطباء وأئمة صلوات خمس ومؤذنين وقائمين بالشؤون ومؤدبين ومدرسي آفاق…- وواجباته وصلاحياته ومجال تدخله، هو ما أحدث فراغا فكريا وتعبويا وبنيويا سرعان ما ملأته شتى التيارات من كل صوب وحدب، وفي مقابل ذلك اهتمت الوزارة بمسائل هامشية وجانبية لا صلة لها بالتكوين العلمي للواعظ ولا بمجال اختصاصه،
تذكر الجمعية الوزارة والحكومة وكل مكونات المجتمع المدني أن لديها -كجمعية ومكون من مكونات المجتمع المدني- رؤية واضحة شاملة للرقي بمستوى الخطاب الديني والقائمين عليه إلى متطلبات المرحلة التاريخية الراهنة، ولكن الوزارة لم تعرها أذنا صاغية وقربت إليها من الجمعيات من لا يزعجها بأي أفكار أو برامج تفسد عليها سباتها، حيث قدمت الجمعية في دراسة لها أسسا علمية لخطاب ديني موحد يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم، يهم جميع مجالات تدخل الوزارة، سواء كان في العمل اليومي في المساجد والزوايا والكتاتيب والدروس المختلفة، أم في العمل الموسمي على غرار موسم الحج وموسم رمضان الكريم، أم في غير ذلك من مجالات تدخلها كوسائل الإعلام بمختلف أنواعها،… مع الإلحاح على أن مثل هذا البرنامج يتجاوز حاليا الطاقات الفكرية المتواجدة بالوزارة، وعليه فينبغي إحداث لجنة وطنية عليا تجمع أهل الاختصاص من كل الميادين لوضع برنامج وطني للشأن الديني يهدف إلى صياغة مرجعية إسلامية تونسية وسطية معتدلة يلتقي حولها الجميع،
تستنكر الجمعية سياسة الإقصاء التي تمارسها الوزارة ضدها، وعدم تشريكها في ما يتصل بالشأن الديني تطبيقا لما ورد في الدستور التونسي الذي كتبناه بدماء شهدائنا الأبرار، وتطبيقا لما ورد في الأمر المنظم لعمل الجمعيات،
أخيرا تذكر الجمعية الجميع أن الحج عبادة تهم المسلم حتى يتم أركان دينه الحنيف، وليست مجالا للتجارة ولا للمزايدة ولا للمرابحة حتى تتخذها الوزارة والجهات المنظمة له مصدرا للربح المشط والغنى غير المبرر، وهي بذلك خاضعة لمبدأ تدخل السلطة التنفيذية لتقديراتها بما لا يضر بطاقة المواطن المالية وفرائضه الدينية، وهو ما يستوجب ترشيدها بما يحقق تكافؤ فرص الجميع،
أخيرا لا يسعنا إلا أن نقدر عمل السادة والسيدات الوعاظ والواعظات، ونثمن معاناتهم وما يلاقونه أثناء عملهم اليومي من مصاعب ومشاق داعين الوزارة إلى تجاوز هذه العراقيل وأخذ الحكمة والكلمة الطيبة من أي جهة كانت.
والـــســـــــلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رئـيـس الـجـمـعـيـة/ الـمـهـدي بـو كـثـيـر