
الحمق واللامبالاة نعمة في زمننا هذا !
كلّما كان الإنسان أحمق كلّما كان محظوظا وسعيدا في هذا الزمن المعكوس حيث “العزري أقوى من سيده”.. الذكي والحسّاس ودقيق الملاحظة سيعاني كثيرا لأنه يلاحظ غياب قواعد النظافة في بعض النّزل والمقاهي والمطاعم وفي طريقة عرض الخضر والغلال واللحوم… سيعاني لأنه يلاحظ أن البائع يمرّر يده على لسانه قبل أن يفتح الكيس.. وسيعاني لأنه يلتزم بالبروتوكول الصحي ويلبس كمّامة ويغسل يديه عديد المرات.. سيعاني لأنه ينصر مظلوما.. وسيعاني لأنه يناقش مسؤولا سيسخط عنه لاحقا.. سيعاني لأنه لن يجاري “أصدقاءه” في ما هو غير مقتنع به ولن ينافقهم.. سيعاني لأنه يلاحظ التّلوّث والجفاف والتّصحّر وسيعاني لأنه سيراقب عامل البناء والسّبّاك والكهربائي والميكانيكي والنّجّار والحدّاد والبستاني والتقني وسيناقشهم دون جدوى… سيعاني لأنه يحسّ أنّ وطنه ضائع والسياسيون والنقابيون يخدعونه…في المقابل، الأحمق الغافل لن يحسّ بشيء.. لن يخرج إلى العامل ولن يتواضع له ولن يساعده في عمله ولن يقدّم له حتى شربة ماء ولن يناقشه وسيتمّ كل شيء على ما يرام بينما ربّونا ونحن أطفال في سنّ العاشرة أنّه علينا أن نراقب العامل ونكون يقظين حتى لا يخدعنا… الأحمق لن يلاحظ غضب الطبيعة ولن يلاحظ الزبلة والحجارة والأعشاب الطفيلية في الطريق الذي يسلكه مسرعا بسيارته الفخمة… سيبني سورا عاليا ولن يهتمّ بالمنحرفين والسّرّاق والكلاب السائبة والزبلة المحروقة مادام هو مختبئا داخل برجه العاجي… سيسهر ويسكر و”يشيخ” ويستمتع ولن يسأل عن أحوال البلاد والعباد.. لن يغضب لضياع أبنائه ولن يرافقهم في حاجاتهم ومشاكلهم وسيكتفي بالمصروف المادّي.. حتى لو خانته زوجته سيقول “لن أخاصمها لأنّ مخّي كبير ولا أحبّ المشاكل وكل واحد فينا حرّ يفعل ما يشاء” ولن تغضب منه حماته ولن يخاصمه أحد لأنه “عاقل ومخّه كبير” ولن يغضب منه مديره لأنه “داخل في الجوّ والقعدات والشّلّة والأصحاب ولعبة النّفاق”…حتى على أعلى مستوى، انظروا إلى ملوك الخليج وبعض الرؤساء العرب وحياتهم الباذخة المائعة مقابل سكوتهم عن حقوق رعاياهم وعدم تحمّل أماناتهم وعدم التنديد بظلم أمريكا وإسرائيل.. هل حاسبوهم على الديمقراطية وحقوق الإنسان وضياع شعوبهم في الفساد والمحسوبية والفقر والبطالة والاكتئاب والانتحار والجريمة المنظمة…؟ بينما من ناقشهم وتمسّك بمبادئه “كلا العصا” وذوّقوه أشدّ العذاب وعلى رأسهم الرّئيس الشّهيد صدّام حسين المجيد الذي لو جاراهم لعاش أحمق سعيدا كالآخرين.إنه زمن الحمق والغباء بامتياز.. فطوبى للحمقى فيه أمّا الوعي والذكاء والحساسية والتمسك بالمبادئ فقد أصبحت مرادفة للشقاء والمعاناة.
سامي النيفر