الديمقراطية الحقيقية :”ليس في صناديق الاقتراع بل في وعي الناس”.
لو سؤل أحدنا، أيهما تختار النظام الدكتاتوري والذي يعني الحكم الإستبدادي و مصطلح يدل على شخص يملك كل السلطات في يده دون التقيد بالدستور أو القوانين؟ أم النظام الديمقراطي والذي يعنى أن الشعب يحكم نفسه بنفسه وهو مصدر كل السلطات في الدولة ومصدر القانون أيضا؟ فحتما سيختار النظام الديمقراطي. ولكن ماحدث في تونس طيلة عشرة سنوات جعل جزء كبير من التونسيين يحن للديكتاتورية وعيوبها، على حساب الديمقراطية ومزاياها. يحن إلى الماضي التعيس جراء الفوضى واللامبالاة التى عاشتها البلاد من إضرابات عشوائية وعدم الشعور بالمسؤولية ومن غياب للوعي. وأصبح الاعتقاد السائد أننا شعب لا يستحق الديمقراطية، فدكتاتورية بأمن وأمان واستقرار افضل من ديمقراطية عرجاء بلا امان وغياب واضح للسلطة والدولة. الإستبداد جمعنا وحكم الشعب فرقنا، فبعد أن كنا شعب واحد متلاحم، أصبحنا منقسمين نتبادل السباب والشتائم فهذا نهضاوي وذاك جبهاوي والآخر يتبع النداء… أنت يساري وأنا ليبرالي أما أنت فدستوري وأنتم قوميون وإسلاميون…مصطلحات كانت غائبة زمن الديكتاتورية، استحضرناها بإسم الديمقراطية والتي لم يعرف البعض مفهومها. فالديمقراطية لا تعني الفوضى وعدم الشعور بالمسؤولية، لا تعني عدم النظام وغياب الأمن، هي أكثر من صناديق إقتراع، وغمس الأصابع في الحبر… الديمقراطية هي جهاز يضمن عيشنا أفضل مما نستحق، وهي دعوة للإنفتاح وتقبل الرأي الأخر، وهي الخروج من الإنغلاق إلى الإنفتاح. فنحن لا نريد الديمقراطية التي قال عنها أمين معلوف “قانون الأكثرية ليس دائما مرادفا للحرية والمساواة بل هو أحيانا مرادفا للطغيان”، أو كما قال عنها الرئيس الأمريكي الأسبق جيفرسون “كونها حكم الغوغاء” أو كما وصفوها بأن “تختار المشنقة التي سينفذ عليها حكم الإعدام”. نريد الديمقراطية التي قال عنها نجيب محفوظ “الحريصة على العلم”، نريد ديمقراطية في وعي الناس وليس في صناديق الإقتراع، نريدها وسيلة لتنظيم إستعمال الحرية. هذا هو المفهوم الصحيح للديمقراطية ايها المتباكين عن الحريات والدستور والانتخابات وصناديق الاقتراع والشرعية. انتم لم تحسنوا تطبيقها فإنتفض ضدكم الشعب باسم الحرية والديمقراطية ، وازاح عنكم الغطاء المغلف بالورع والتقوى المزيفة ، وافتك منكم ديمقراطيته المسلوبة واعادكم إلى احجامكم . ولعل اولى لَبِنٓات بناء الديمقراطية الحقيقة ،تجلت يوم امس من خلال الوعي المجتمعي الذي شهده اليوم الوطني للتلقيح ، والذي تلقى فيه أكثر من نصف مليون تونسي ليس جرعات التلقيح فحسب ،بل جرعات الامل والبناء والشعور بالمسؤولية.أسامة بن رقيقة.



