الشباب والصيف : “إذا لم تزد على الحياة شيئاً، كنت أنت زائداً على الحياة” سليم مصطفى بودبوس

الشباب والصيف : “إذا لم تزد على الحياة شيئاً، كنت أنت زائداً على الحياة” سليم مصطفى بودبوس

2 أكتوبر، 12:30


هل إجازة الصيف وقت فراغ بالنسبة إلى شبابنا؟ هل هي مجرّد فترة من العمر إضافية تأتي للراحة من أعباء المسؤوليات والواجبات طيلة العام الدراسي؟ هل هي رحلة الصيف: رحلة اقتناص الفرص واغتنام الشباب والتنافس في أعداد الفتيات أو الفتيان الذين سوف يقع التواصل معهم في العالم الافتراضي أو في العالم الحقيقي؟ هل لدينا تصوّر دقيق وواضح لفصل الصيف؟ لهذه الفترة غير القصيرة من العمر؟
أسئلة لطالما تكررت في نهاية كل عام دراسيّ، بل وتفرض نفسها على كل عائلة وكل شابّ أو شابة بإلحاح. لكن كثيرا ما كانت هذه الأسئلة تسخن وتسخن حتى تصبح حارقة مع حرارة فصل الصيف، ثمّ تبرد مع نهايته ويعود الشباب إلى أعمالهم، وتبرد المشكلة لتتجدد في الصيف القابل… وهكذا قد يمضي العمر ولم يغتنم الشباب إجازة الصيف بالشكل الذي يكون مفيدا وذا أهمية بالنسبة إليهم.
إنّ القضية وباختصار شديد تحتاج إلى تصحيح التصوّر لهذا الوقت؛ وذلك أولا بالاستماع إلى الشباب وفهْم نظرتهم إلى هذا الفترة المهمة من السنة ومن حياة الشباب والإنسان عموما.
إنّ الاعتقاد بأنّ أيّ برنامج صيفيّ هو حلّ لملء الفراغ، أو لقتل وقت الفراغ كما يرى البعض، هو تصوّر خاطئ لأنه بالأساس ليس لنا وقت فارغ. إنّ القول بوقت الفراغ يعني وجود وقت آخر مليء بالأعمال والأعباء ولعلّه بقية العام وتحديدا العام الدراسي، حيث يكون الشباب منهمكين في دراستهم كل بحسب اجتهاده، هدفهم الأخير تحقيق النجاح.
إن تصوّر المشكلة على حقيقته جزء أساسي من حلّها؛ فلئن كانت فترة الصيف تختلف عن المواسم الأخرى من السنة من حيث مقدار الرغبة في العمل والإنتاج بحكم تأثير المناخ على نشاط الإنسان، فإنّه لا ينبغي أن يصل الأمر إلى إلغاء هذا الجزء من أعمارنا ليصبح صفراً في حساب الزمن بالتفكير في قتلها. إنّ وقت الإجازة يشكل نسبة من أعمارنا وهي ليست هيّنة أو قليلة حتى نفكر في القضاء عليها، وتحديد المشكلة ينبغي أن يوضع في تصور آخر يجعلنا نحس أن هذه الإجازة جزء من أعمارنا الحقيقية، والتخطيط الجيد لهذا الجزء من العمر ينبغي أن يراعي ويلبّي حاجات الشباب؛ فهم يشعرون بالنقص الشديد في مجالات عديدة من الحياة العملية اليومية وكثير من الشباب في حاجة إلى اكتساب الخبرات الضرورية في مهارات القراءة السريعة مثلا أو الكتابة السريعة أو مهارات فهرسة المعلومات ومهارات النسخ على الآلة الكاتبة و مهارات تصنيف المكتبات أو مهارات تنظيم الرحلات و الاستفادة منها وكذلك مهارات العلاقات العامة و المقابلات الشخصية أو مهارات إعداد اللقاءات فضلا عن المهارات الرياضية … وما هذه إلا عينات يقيس الشباب عليها كل حسب مستواه وحاجاته.
ويا حبذا لو تصاغ هذه المهارات في دورات قصيرة من أسبوع إلى أسبوعين يتمّ خلالها تقديم برامج مكثفة تركز فقط على تلك المهارة ويكون العدد محدودا، ويمكن أن يعطى الشاب شهادة تفيده باجتياز هذه الدورة وتمكّنه من تلك المهارة على أن تتاح الفرصة له للتسجيل في عدد من الدورات خلال الصيف لعله بذلك يكتسب الخبرات التي لم تشملها المدرسة أو الجامعة في برامجها وأهدافها.
إنّ التعود على قضاء فصل الصيف في اللهو، وهو أسلوب استمرّ طويلا، يجعل بعض الشباب يعتقدون أن هذه الدورات تتعارض مع الإجازة الصيفية. والحقيقة أنه متى خطط لإزالة هذا التصور وبدأ تطبيق الدورات التي تمكن الشباب من الخبرات الحياتية العملية اليومية، ومتى شعر الشباب بفائدتها والفروق الواضحة بين خبرات العام الدراسي والإجازة الصيفية نتيجة للتفاوت في المهارات المكتسبة فإن النظرة إلى الإجازة سوف تتحول إلى شيء من الجدية النامية مع مرور الوقت.
إن المشكلة الكبرى في مدى وعي الشباب بوضع أهداف لحياتهم عامة، لا فقط لإجازة الصيف أو للعام الدراسي، فلو أن الدراسة انقضت ماذا سيفعل الشاب؟ نحن اليوم في أمس الحاجة إلى أن يصوغ كل منا، وفق منطلقاته وبالتشاور مع غيره من أهل المشورة الأخيار، جملة من الأهداف يسعى إلى تحقيقها طيلة العام وأن لا يرضى لنفسه بعد اليوم أن يعيش من دون هدف وأن لا يرضى من الحياة أن يكون فيها صفرا وإنما أن يحمل قول مصطفى صادق الرافعي شعارا حيث قال في كلمة عظيمة له: “إذا لم تزد على الحياة شيئاً، كنت أنت زائداً على الحياة”.

مواضيع ذات صلة