الكتاب أكثر من القراء…سالم المتهني
الكتًاب أكثر من القراء، هذه حقيقة، هل نفزع أم نفرح؟
الأفضل أن نفهم. نحن العرب فاض بنا الشجن فصرنا نصرخ
و لم نعد قادرين على الاستماع و عندما نتحاور ننتظر متى يسكت محاورنا و نظل نفكر في ما سنقول و لا نكاد نسمع ما يقول، فنتكلم متمادين في عرض أشجاننا التي نسميها تجوّزا أفكارا او نقاشا، و محاورنا هو الآخر يشعر بأننا اغتصبنا حقه في الكلام فيظل ينتظر وقفة سانحة لينقض و يتكلم بإسهاب أكثر و يحرص على الاسترسال حتى يقول كل ما عنده أو حتى يتعب، و إن كان نفسه طويلا قطعنا عليه الأنفاس فنقطع كلامه بكلامنا فيفعل مثل فعلنا و يتحول الحوار إلى صخب أو إلى جمل متناثرة تتطاير كالشظايا فنستعين بلغة الجسد المعبرة عن العناد أو الاستخفاف أو الانتصار الموهوم. فكلامنا نوبة هيستيرية لمصابين بالانفصام و ما شئت من الأمراض النفسية تحت ضغط مشاعر الإحباط و العجز ممتزجة بكبرياء تلفظ أنفاسها الأخيرة.
شعب يتكلم و لا يسمع فكيف تريد منه أن يقرأ؟ و إذا استمر الوضع على ما هو عليه فلن تجد إلا الكتاب يزدادون يوما بعد يوم و القراء في نقص مستمر. وحتى هؤلاء الكتاب لا يكاد الواحد منهم يقرأ ما يكتب الآخرون و غير مهيئين نفسيا للضغط على الإصبع الأزرق مجاملة، و المشرفون على الصفحات الإلكترونية يطلبون التفاعل مع ما ينشر و لا مجيب، و كأن لسان حال كل كاتب منهم يقول ما قال المتنبي:” و دع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الطائر المحكي و الآخر الصدى “.
لو تحول هؤلاء الكتاب إلى قراء لتوازنت كفتا الكتاب
والقراء. ما الحل؟
الحل في الوعي بأن أي نص يكتب يدخل في حوار مع بقية النصوص، قديمها و حديثها و هو ليس بدعة و لكنه إبداع
و قد يكون دون هذه الصفة إذا كان نصا ضعيفا لا يرتقي إلى هذا الحوار الحتمي، فهذا الحوار معبر أساسي للحكم على النص بالجودة أو الرداءة و بالعمق أو السطحية.
فإذا آمن كل كاتب بهذه الحقيقة سينشأ عنده الفضول لمعرفة ما يكتب بقية الأدباء ممن يشاركونه النشر ليعرف موقع نصه من بقية النصوص، أي يمارس عملية نقدية ذاتية، يدرك من خلالها في أي اتجاه يسير. أما من عدم هذا الفضول و لا يقرأ ما يكتب بقية الأدباء فكأنه يكتب في غرفة مظلمة محكمة الإغلاق فلا يرى و لا يسمع و لا يعرف أين يتجه.
الفضول وحده قادر على خلق توازن بين كفتي القراء
و الكتاب. فكيف نزرع حب المعرفة في نفوس هاجسها أن تتكلم، أن تكتب؟
تأليف: سالم المتهني( تونس )