الكلاب السائبة بصفاقس: حين تتحول الحلول السهلة إلى انتهاك لحق الحياة

الكلاب السائبة بصفاقس: حين تتحول الحلول السهلة إلى انتهاك لحق الحياة

23 ديسمبر، 19:00

يتواصل في ولاية صفاقس تذمّر عدد من المواطنين من تزايد أعداد الكلاب السائبة داخل الأحياء السكنية وبالقرب من المدارس والفضاءات العمومية، وسط مخاوف حقيقية تتعلق بالسلامة العامة والصحة. غير أن طريقة تعاطي السلط المحلية والجهوية مع هذه الظاهرة تطرح إشكالًا أخلاقيًا وحقوقيًا عميقًا، يستوجب النقاش والمراجعة.

ففي كل مرة تتصاعد فيها شكاوى المواطنين، يُعاد طرح الحل ذاته: قنص الكلاب السائبة. وهو إجراء يُقدَّم باعتباره حلاً عمليًا وسريعًا، لكنه في الواقع يختزل أزمة معقّدة في مقاربة عنيفة، تقوم على الإبادة بدل المعالجة، وعلى القتل بدل الوقاية.

القنص: سياسة فاشلة وانتهاك لحقوق الحيوان

لا يمكن اعتبار القنص حلًا حقيقيًا، إذ تؤكد التجارب أن هذه السياسة لم تُنهِ الظاهرة في أي مدينة، بل ساهمت في إعادة إنتاجها. فإفراغ منطقة من الكلاب يفتح المجال أمام مجموعات جديدة للظهور، ما يجعل القنص مجرد مسكّن ظرفي، سرعان ما يتلاشى أثره.

الأخطر من ذلك، أن هذا الإجراء يتم في ظروف قاسية، تُنتهك فيها أبسط مبادئ الرفق بالحيوان، دون احترام لحق الكائن الحي في الحياة أو في المعاملة الإنسانية. وهو ما يتعارض مع القيم الأخلاقية، ومع التوجهات الحديثة التي تعتبر الحيوان كائنًا له حقوق، وليس مجرد مصدر إزعاج يُقضى عليه بالرصاص.

من المسؤول الحقيقي؟

إن تحميل الكلاب السائبة وحدها مسؤولية الخطر يُعدّ تبسيطًا مخلًا. فالمشكلة ناتجة أساسًا عن تقاعس السياسات العمومية، وغياب برامج التعقيم والتلقيح، وعدم تفعيل القوانين التي تجرّم التخلي عن الحيوانات الأليفة. كما تتحمل البلديات والجهات المعنية مسؤولية غياب رؤية مستدامة، توازن بين حماية الإنسان واحترام الحياة الحيوانية.

بدائل أخلاقية تحمي الإنسان والحيوان معًا

يدعو المدافعون عن حقوق الحيوان إلى تبني مقاربة إنسانية وعلمية، أثبتت نجاعتها في عدة بلدان، من بينها:

اعتماد برامج وطنية وجهوية لتعقيم الكلاب السائبة للحد من تكاثرها.

تلقيحها بانتظام ضد داء الكلب، حماية للصحة العامة.

إحداث مراكز إيواء عمومية بالشراكة مع الجمعيات المختصة.

تطبيق القوانين المتعلقة بمنع التخلي عن الحيوانات ومحاسبة المخالفين.

إدماج ثقافة الرفق بالحيوان ضمن السياسات البيئية والتربوية.

صفاقس بين صورتها الحضارية وخياراتها الميدانية

إن الدفاع عن سلامة المواطنين لا يتناقض مع الدفاع عن حقوق الحيوان، بل إن الحلول القاسية وغير الإنسانية هي التي تسيء إلى صورة المدينة وتكشف فشل الخيارات المعتمدة. فمدينة بحجم صفاقس، وبتاريخها وإشعاعها، جديرة بسياسات تحترم الحياة بكل أشكالها، وتقطع مع منطق القتل السهل، لصالح حلول أخلاقية، مستدامة، وإنسانية.

أبو مرامْ

مواضيع ذات صلة