الكورونا : استهتار حكومي وشعبي بالوباء القاتل …سامي النيفر
عند المحن والأزمات نكتشف أنفسنا ونعرف عيوبنا ومحاسننا والكورونا كشفت عن شخصية التونسي الحقيقية بلا تزويق فهو من جهة متضامن مع إخوانه وقد يؤثرهم حتى على نفسه وفي المقابل هو ذاته ذاك الطماع الجشع الذي يضارب ويحتكر ويرفع الأسعار ويغش في البضاعة وهو المبذر الذي يشتري أكثر من حاجاته في خوف غير مبرر من المستقبل.. هو العالم والمثقف وهو نفسه المستهتر الذي لا يعي خطورة الوضع حتى لو حذروه مرارا وتكرارا وحتى لو شاهد المرضى والوفيات كل يوم أمام عينيه وهو المتسرع المغرور الذي لا يقرأ عواقب أفعاله وذلك كما حصل عند نهاية الموجة الأولى وفتح الحدود وعدم التقيد بالبروتوكول الصحي حتى جاءت الموجة الثانية قاسية وكان يمكن تفاديها بسهولة لو لم نغترّ بانتصارنا الوقتي الأول ولكننا نعيد نفس الخطإ الآن ونحن نستمع إلى خطاب مسؤولينا وهم يبشروننا كذبا بنهاية الكوفيد حتى قبل أن يأتوا لنا بلقاح يمكن أن يطمئن الناس قليلا رغم أننا مازلنا لم نتأكد من فاعليته وأعراضه الجانبية المحتملة وهي أسئلة بقيت بلا أجوبة في ظل غياب خطاب جدي من المشرفين على الصحة في بلادنا التي تفنّنت في الاستهتار بهذه الجائحة حكومة وشعبا ولم تتقيد بالبروتوكول الصحي إلا قليلا بل إن هنالك قواعد عامة للنظافة يجب أن تبقى راسخة فينا حتى بعد نهاية الكورونا على غرار غسل الأيادي بانتظام وتهوئة الأماكن المغلقة وخاصة العامة منها وتنظيف الطاولات والمقاعد في المطاعم والمقاهي والإدارات والمدارس والمستشفيات ومراقبة جودة الأطعمة كالخضر والغلال واللحوم والحليب ومشتقاته على سبيل الذكر لا الحصر وغير ذلك مما نتهاون فيه من أبسط قواعد الصحة فنزلة البرد الحادة والسرطانات وأمراض المعدة والشرايين والقلب والضغط والسمنة والسكري قد تقتل أيضا وليست أمراضا بسيطة حتى نتساهل أمام مسبّباتها ولكن الجميع لا يبالي.. هذا الوباء كشف عن هشاشة البنية الصحية والتربوية والإدارية في بلادنا فالمستشفيات والمصحات والتجهيزات في حالة يرثى لها مع نقص الموارد المادية والبشرية بالإضافة إلى غياب ثقافة الرقمنة والعمل عن بعد.. الكورونا كشفت أن الإنسان في العالم كله والتونسي بصفة خاصة غير صبور على البلاء المر فهو لا يتحمل أن يلبس كمّامة لمدة معينة ولا يتقيد بالتباعد الجسدي والحد من الأنشطة الجماعية كالأعراس والحفلات والمباريات والتجمعات المختلفة بل إنه لا يصبر حتى على اصطحاب قارورة جال معه وتعقيم يديه بضع مرات في اليوم وهو كثير الشكوى والتذمر من ذلك رغم أنها إجراءات غير معقدة وتتطلب شيئا من الصبر والانضباط.. وأكثر ما لاح لنا نفاد صبره في فترة الحجر الصحي وكأن الجلوس في منزله عقاب وبدا وكأنه لا يستطيع القيام بأي عمل إلا في الشارع ! فأين الجلوس مع العائلة وتفقد أحوالها والقيام بشؤون الأسرة والبيت وأين العلم والثقافة والفنون والدين والعديد من الهوايات النافعة التي يستطيع الإنسان أن يمارسها في منزله دون كلل أو ملل.. بل لقد شرّع البعض للعنف وبرره بأنه نتيجة الحجر الصحي تماما كما يتعللون بأن النرفزة في رمضان بسبب الصوم بينما النفس الأمارة بالسوء هي وحدها المسؤولة عن أخطاء الإنسان.. أملنا أن تتغير العقليات يوما ما حتى يعود التونسي جديا وواعيا كما كان إلى حد كبير في السابق.



