اللامسوؤلية السياسية تسير بنا نحو الانفجار الاجتماعي

اللامسوؤلية السياسية تسير بنا نحو الانفجار الاجتماعي

1 ديسمبر، 19:45

يتفق الجميع اليوم في تونس على حدةّ وخطورة الأزمة الشاملة والمركبة التي تمر بها بلادنا والتي تطال الاقتصاد والمجتمع ومؤسسات الدولة، وهي أزمة تعود أسبابها الى سنوات الحكم الفاشلة ما بعد الثورة والتي لم تضع تونس على طريق التحول الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي المنشود.

 وتزيد اليوم الأزمة الصحية الوضع تعقيدا سواء من خلال الخسائر الانسانية التي تضاعفت مع الموجة الثانية أو من خلال الكلفة الاجتماعية و الاقتصادية الناجمة عن حالة العطالة التي مست اقتصادا منهكا وأدت الى تفاقم البطالة بعد فقدان آلاف مواطن الشغل في القطاع الخاص لموارد عيشهم كما كشفت حجم الهشاشة الذي عليه أكثر من  1,694,000 تونسي وتونسية أي 15.2% يعبشون تحت حالة الفقر منهم 321,000 يعيشون فقرا مدقعا وهي نسب ترتفع حسب الجهات

وقد زادت التهديدات الارهابية الأخيرة بعد عملية أكودة ثم تورط شاب تونسي مهاجر غير نظامي في عملية نيس الارهابية والأخبار الرسمية عن احباط عمليات أخرى في تأكيد هشاشة الوضع الأمني واستمرار جاذبية الحاضنة الاجتماعية للإرهاب لدى الشباب التونسي كما نشر حالة من الخوف من المستقبل والشعور بغياب الأمان

وتتخذ هذه الأزمة دلالة أعمق وتبعث على قلق واسع ومشروع لدى مجمل قوى المجتمع وفئاته حين نقف على حقيقتين الاولى هي غياب رؤية وإرادة حكومية لا فقط لإدارة الأزمة الصحية بل وكذلك الأزمة الشاملة والتفكير في حلول عملية والثانية هي صعود موجات الغضب في كلّ الجهات وظهور علامات انفجار اجتماعي وشيك

فالإمضاء الاخير على اتفاق الكامور بعد تردد حكومي استمر أكثر من ثلاث سنوات و اتفاق التسوية مع عمال الحضائر والذي لم ينصف فئة ما بين 45 و 55 سنة التي استأنفت التعبئة و التحرك قد يكون نزع فتيل أزمة حادة وأجّل انفجارها   الا أنه لا يجب أن يخفي حقيقة المخاطر الناجمة عن تواصل الوضع الحالي.  

فالحكومة لم تجد بعد السبيل لتوفير تمويل ميزانية 2021 ولا يزال البنك المركزي يرفض سدّ العجز خوفا من آثاره التضخمية فقد حدّدت  الحكومة في مشروع قانون المالية لعام 2021 أن تبلغ الموارد الذاتية لميزانية الدولة  ما قيمته 33.009مليون  دينار ، وينتظر أن يبلغ حجم النفقات 41.016 مليون دينار  وهو ما يضع الدولة والمجتمع على حافة هاوية خاصة وان جملة موارد الاقتراض ستبلغ 19.608 مليون دينار سنة 2021 منها 16.608 اقتراض خارجي مما سيؤدي الى ارتفاع مخيف للمديونية ولقيمتها من الناتج المحلي الخام.

ومن الناحية السياسية فإن تعطّل مسار العدالة الانتقالية، وتأخر تركيز المحكمة الدستورية، وتقرير دائرة المحاسبات المتعلق بانتخابات 2019 حول شبهات فساد لقائمات ومترشحين وغياب إرادة فعلية للتصدي للفساد عامة كلّها مؤشرات إضافية للمخاطر التي قد تعصف بالتجربة الديمقراطية التونسية الناشئة.

المؤسسة البرلمانية من جهتها فقدت كلّ مصداقية في نظر المجتمع و تعيش حالة فوضى و اصطفافات مصلحية لا مبدئية وصراعات داخلية حزبية وفئوية يغذّيها خطاب كراهية واقصاء يزيد في عزلة المنتخبين عن المجتمع، ولا تبدو الى اليوم من جهة أخرى رئاسة الجمهورية كرمز لوحدة الجمهورية في طريق واضح من أجل تنظيم حوار وطني يضع خطة عاجلة للإنقاذ.

ما نرصده في مقابل ذلك في  المجتمع من تحركات في الفترة الأخيرة يحمل لا فقط مؤشر تواصلها   كميا حيث أحصينا  في شهر أكتوبر 871 تحركا احتجاجيا و 18 حالة انتحار ومحاولة انتحار   واكثر من 6500 احتجاجا منذ بداية السنة ووصول 12500 تونسي وتونسية الى السواحل الإيطالية منذ بداية السنة بل يعطي أدلة على اتساع دائرة المطالبين بحقوقهم و تنوع أشكال احتجاجهم فسواء تعلق الأمر بأصحاب الشهادات عموما أو بمن طالت بطالتهم بعد صدور  القانون عدد 38 الصادر في الرائد الرسمي  في أوت الفارط  , وحملة الدكتوراة  أو أعوان الصحة العمومية والاطباء الشبان و القيمين و المهندسين والصحفيين والقضاة والبحارة و الفلاحين و عديد الجهات التي يتحرك مواطنوها طلبا لتنمية محلية وجهوية  عادلة  أو لحق اجتماعي أو للتزود بحاجياتهم الأساسية آخرها أزمة قوارير الغاز المنزلي في ولايات الجنوب خاصة

ما تؤكده تقارير المجتمع المدني و الهيئات الدولية حول مؤشرات حدة الأزمة و درجة اليأس والغضب التي تعتمل داخل أوسع طبقات المجتمع من فئات هشة ووسطى وحتى عليا لا تثق  في نزاهة أجزاء هامة من النخب  الحاكمة الحالية وفي قدرتها  على قيادة البلاد و النجاح في التصدي للفساد و الحيف الاجتماعي و حماية مكاسب الانتقال الديمقراطي والدفاع الجدي عن المصالح الوطنية لتونس في الخارج ,  خاصة بعد ان تكرر انتهاكات حرية الاعلام و التعبير و سعي جهات برلمانية ورسمية لتقديم قانون تعديل المنشور 116 وضرب مكسب حرية الاعلام و تعدديته ,  وقانون زجر الاعتداءات على الأمنيين قبل أن يتم العدول عن ذلك تحت ضغط المجتمع والشارع . وكذلك مع استمرار خضوع الجهات الرسمية في ملف الهجرة الغير النظامية للإملاءات الأوروبية والقبول بالترحيل القسري وتكثيف الرقابة الأمنية على الحدود البحرية دون الضغط من أجل مقاربة شاملة لحسن الجوار تضمن حرية تنقل الأشخاص واحترام المعاهدات الدولية وعلاقات اقتصادية تراعي مصالحنا لا فقط مصالح شركائنا.   

إن حجم القطيعة الحاصلة بين النخب الحاكمة والمجتمع وعجز المؤسسات عن تمثيل مطالب التونسيين والتونسيات وتشريكهم في برامج الانقاذ العاجلة والاصلاح المتوسط المدى يدفعنا في المنتدى الى التعبير عن مخاوفنا واستنكارنا لغياب المسؤولية ووعيا منا بدورنا ودور المجتمع المدني والقوى الديمقراطية والاجتماعية التي أكدّت جدّيتها وقدرتها على التعبئة الاحتجاجية ومناصرة القضايا العادلة وبلورة مقترحات وحلول وطنية ومحلية فإننا:

–         – ندعو الرئاسات الثلاث الى التوافق للدعوة المشتركة في أقرب وقت لتنظيم ندوة وطنية للحوار تطرح كلّ القضايا الملحة والمشاكل المطروحة والخطط العملية لتنفيذها وهو حوار لا بد أن يضمن تمثيلية المجتمع المدني المتنوعة والفاعلين المحليين ولا يقتصر على المنظمات التقليدية المعروفة

–         – ضرورة التفاوض مع الشركاء الأوروبيين والممولين حول ملفات المديونية والهجرة ومناهضة الحرب والتطرف العنيف التي قد تعصف باستقرار المنطقة

–         – نجدد مرة أخرى ونحن نستعد لإحياء الذكرى العاشرة للثورة دعوتنا للمجتمع المدني والحركات المواطنية والقوى الاجتماعية الحريصة على قيم الثورة وأهدافها من أجل وضع آليات للعمل المشترك والتضامن والحريصة على حماية دولة القانون والمؤسسات ومسار الانتقال الديمقراطي الشامل والحامل لأفاق تنموية واعدة.

المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

مواضيع ذات صلة