الهوية أوسع من أن يحددها جنس معين أو ثقافة واحدة أو معتقد خاص..  د. ناصر بن عرب

الهوية أوسع من أن يحددها جنس معين أو ثقافة واحدة أو معتقد خاص.. د. ناصر بن عرب

18 أوت، 18:30

يتساءل العديد من الناس عن أمري. تونسي هاجر منذ شبابه إلى فرنسا. دَرَسَ في المعاهد الفرنسية وتحصل على شهادة الطب والتخصص في التخدير والعناية الفائقة وما زال يباشر الطب بفرنسا ولا يتحدث إلا باللغة العربية؟ فغالبا ما يظن الناس أنني لا أحب اللغة الفرنسية. لقد قلت لهم أنني ملتزم بلغتي لأنها لغة وطني ومن واجبي رعايتها والحديث بها ودستور بلادي ينص أنها لغتنا الرسمية. وقلت أيضا أن الأمم لغات فإن انقرضت لغتهم انقرضوا. لكنهم أصروا أنني ضد الانفتاح. أنا الذي أُدَرِّسُ بفرنسا الطب باللغة الفرنسية التي أهواها. إن التزامي باحترام لغة وطني ليس انغلاقا على العالم بل أنني متيقن أن معرفة لغتي وذاتي هي الطريق التي تؤدي لمعرفة الأمم الأخرى وبقدر ما أعرف نفسي أتعرف على مختلف المذاهب والمدارس والعقائد وما يحدث على الساحة الفكرية الكونية. ومعرفة الآخر ثراء لهويتي وإضافة لذاتي وترسيخ لكياني.   

استقر عندي أن العروبة كياني ولغتي والإسلام جذوري. فأتوحد مع كل ناطق باللغة العربية ومع كل من كان الإسلام دينه فأتوحد مع العربي والأمازيغي والكردي والتركي والفارسي والباكستاني والهندي والأندونيسي والزنجي… ولثقافتي أيضا مصادر أخرى تغذي فكري وتروي عطشي. فأرى كأنني يوناني وللفلسفة شأن عظيم عندي فلقد أضاء أفلاطون وأرسطو وسقراط دربي وأصبح البرهان أسمى صور الاستدلال للمعرفة وتوسيع معنى الحق عندي. كما أن لابن رشد أهمية كبرى في نظري عَلَّمَ التمييز بين المنطق والفلسفة وجعلهما على ارتباط. يحث الناس لممارسة الفلسفة لتوسيع مدارك العقول ومقارنة الخطأ والصواب والوصول إلى معرفة الفرق بين الحقيقة والخيال وهذا هو شأني. وأعتبر نفسي كذلك نوعا ما غربي. أبهرتني حضارة الغرب وفتنتني بعلمائها وفنونها. وأرى أنني غربي لأنني أتقن اللغة الفرنسية فاطلعت على فكر الحضارة الغربية وقرأت الأدب والفلسفة والشعر لعظمائها. فمن يتقن لغة قوم ويتثقف بثقافتهم يشعر بالاقتراب منهم والابتعاد عنهم في آن واحد. فقد اكتشفت حقائق جديدة عنهم وعني وأدركت أنهم مثلي يصيبون مرة ويخطئون مرة أخرى يحسنون ويسيئون أيضا يكرهون ويحبون يعادون ويتآلفون يغزون بلدانا تارة وتُغْزَى بلدانهم تارة أخرى. ورأيت في نفسي من خلال غيري ما لم أكن أراه وحدي وأرى أشياء عندهم كما لو كانت عندي. واستقر عندي أن الغير هو الوجه الباطن لنفسي. ولما شرعت في ممارسة الطب تيقنت أن مهنتي تتمثل في خدمة الإنسانية.  فلا فرق بالنسبة لي بين الناس وأصولهم. بين عقائدهم ولغاتهم. وحينئذ تيقنت أيضا أنني لست عربيا مسلما تونسيا فحسب بل أنني غربي ويوناني وفرنسي وزنجي بمعنى من المعاني وأرى أن هويتي أوسع من أن يحدها جنس معين أو ثقافة واحدة أو معتقد خاص وانفتاحي عن الثقافات والهويات الكبرى أستفيد منها وأتوحد معها وتصبح ركنا من أركان هويتي وهذا إثراء لفكري وإغناء لعقلي فأشعر أنني جزء من الكون ومن الإنسانية الواسعة فتغمرني السعادة القصوى.               

مواضيع ذات صلة