اندبندنت عربية تنشر تحقيقاً حول رحلة الموت من تونس إلى إيطاليا

اندبندنت عربية تنشر تحقيقاً حول رحلة الموت من تونس إلى إيطاليا

13 مارس، 13:00

في واقع اقتصادي واجتماعي مترد باتت أوروبا حلم الغالبية الساحقة من التونسيين شباباً وعائلات، بينما تنتعش شبكات تهريب البشر، ويتكدس المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء في البلاد.”اندبندنت عربية” تزور مخيمات للمهاجرين غير الشرعيين في منطقة العامرة بمدينة صفاقس

في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، لم تكن أوروبا مغرية بالنسبة إلى التونسيين، كما أن غالبية الدول الأوروبية لم تكن تفرض عليهم التأشيرة، بل أن السفر إلى إيطاليا بالنسبة للشباب التونسي آنذاك، لم يكن يتطلب سوى جواز سفر، وتذكرة عبور على متن الباخرة، كما لم يكن سعر العملات الأوروبية مغرياً مقارنة بسعر الدينار التونسي.

تغيرت السياقات السياسية والاقتصادية وتوجهت دول الاتحاد الأوروبي نحو التكتل واستعمال عملة موحدة (اليورو)، في المقابل، واجه الاقتصاد التونسي بداية من ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، صعوبات بالجملة منها ما هو طبيعي، ناتج من الجفاف لاعتماد الاقتصاد الوطني على الزراعة، ومنها ما هو مرتبط ببرنامج الإصلاح الهيكلي الذي مثل بداية ارتهان الاقتصاد التونسي للأقطاب الصناعية الكبرى وللمؤسسات المالية الدولية.

ومع مرور الزمن لم يعد المنوال التنموي في تونس منتجاً للثروة، فتفاقمت البطالة، بخاصة من أصحاب الشهادات العليا، وباتت الهجرة نحو أوروبا حلماً يراود التونسيين، بينما اتجهت دول الاتحاد الأوروبي إلى مزيد من التضييق على المهاجرين، واعتماد سياسة انتقائية تقوم على استقطاب وتوظيف الكفاءات العليا من أطباء ومهندسين.

تغيرات

جملة تلك المتغيرات، جعلت من الهجرة السرية ظاهرة مركبة ومعقدة يتداخل فيها الأمني بالسياسي بالاقتصادي والاجتماعي، وتزامن ذلك مع تأزم الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في دول أفريقيا جنوب الصحراء، وتدفق عشرات الآلاف من المهاجرين واللاجئين من تلك الدول على تونس، للعبور إلى السواحل الإيطالية، وباتت تونس في مواجهة محنة مزدوجة في علاقة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية والتي فاقمها تدفق آلاف المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء.

ويتقاسم هؤلاء المهاجرين الهدفَ نفسه مع عدد كبير من التونسيين الراغبين في الهجرة إلى أوروبا، فاتسعت شبكات الوساطة في تنظيم الهجرة أو ما يعرف في تونس بـ”الحرقة”، وأصبح تنظيم رحلة محفوفة بالأخطار إلى السواحل الأوروبية ملاذ شبكات مركبة تتقاطع فيها الجوانب المالية واللوجيستية والأمنية.

فما هو واقع هذه الشبكات في تونس؟ وما حجم ظاهرة المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء؟ وهل نجحت تونس في الحد من ظاهرة الهجرة السرية إلى السواحل الإيطالية؟

تحتل ولاية صفاقس (جنوب) صدارة الجهات التونسية في عدد عمليات الهجرة السرية نحو السواحل الإيطالية، كما تعتبر وجهة المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء.

وتمكنت “اندبندنت عربية” بمساعدة أحد سكان منطقة العامرة من ولاية صفاقس وعبر مسالك زراعية ملتوية من الوصول إلى مخيمات آلاف من المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، وسط غابات الزيتون المعروفة بها مدينة صفاقس.

وتقوم قوات كبيرة من الحرس الوطني بمراقبة “المخيم” والمداخل المؤدية إليه، كما تمنع الشبان والرجال من التنقل إلى المدينة وتسمح فقط للأطفال والنساء بالدخول والخروج منه وإليه. وفي حال وصلت مجموعة من الشبان وسط المدينة يقوم أحدهم بمراقبة الطريق ويسمى الكشاف، بينما يتولى البقية اقتناء ما يلزمهم من حاجات، مع الاستعداد للمطاردة الأمنية في كل لحظة.

في “المخيم” وسط الزيتون في منطقة “العامرة” البالغ عدد سكانها حوالى 25 ألف ساكن، وتبعد حوالى 30 كيلومتراً عن مدينة صفاقس، نصبوا خيماً بدائية من أغصان الأشجار والأقمشة والمواد البلاستيكية.

يقول أهالي المنطقة إن “عدة حافلات جاءت بهم ليلاً، مرفوقة بوحدات الأمن ووضعتهم في العراء في قلب غابات الزيتون”.

شبه “مخيمات” من دون مياه ومن دون كهرباء، وخيم صغيرة بالكاد تتسع لشخص واحد في ظروف غير إنسانية، التقينا عدداً منهم، تحدثوا إلينا بتوجس وحذر شديدين، وكان أملهم الوحيد والمشترك، الخروج من تونس في اتجاه السواحل الإيطالية. 

“قوات الأمن تحاصرنا، والهدف أوروبا”

يتحدث أبو بكر باصي من بوركينا فاسو لـ”اندبندنت عربية” عن طريقة وصوله إلى تونس بعد أن عبَر الحُدود الجزائرية. رحلة شاقة، ومحفوفة بالأخطار لم يكشف عن تفاصيلها كاملة، فهو رجل متدين يؤمن بأن القدر وحده سيحمله يوماً ما إلى أوروبا. 

ويضيف “وصلت إلى تونس منذ 3 أشهر أنا الآن في غابات الزيتون، وممنوع من النزول إلى المدينة للتبضع لأن قوات الأمن تحاصرنا”، “ليس لنا أي مشكلة مع التونسيين، مشكلتنا مع قوات الأمن التي تطاردنا”. أبو بكر لم يجرب حظه بعدُ في العبور إلى إيطاليا إلا أن ذلك يبقى “حلمه لإنقاذ عائلته هناك في بوركينا فاسو”، على حد قوله.

من جهته، يقول بانغال سانو من غينيا “وصلتُ إلى مدينة صفاقس منذ ستة أشهر، نعيش وضعية صعبة هنا في غابات الزيتون، لا أحد يقدم لنا مساعدة، شقيقي يعيش في فرنسا يرسل لي الأموال، لأبقى على قيد الحياة، لا يمكنني العمل لأن قوات الأمن تحاصرنا، جئتُ إلى تونس للعبور إلى إيطاليا، بعد أن مكثت في الجزائر سنتين، كنت أعمل من أجل تحصيل المال، كما اشتغلت في ليبيا، والهدف هو الوصول إلى أوروبا”.

ويضيف “شددت السلطات التونسية الحراسة في البحر ولا يمكننا العبور”، ويستحضر رحلة الوصول إلى تونس، عبر الحدود الجزائرية، حين “رفض أصحاب سيارات الأجرة نقلنا خوفاً من ملاحقة قوات الأمن، مشيت لأكثر من أسبوع على الأقدام، كانت رحلة شاقة، نحن في وضعية صعبة، وتونس تمارس معنا العنصرية”.

في الأثناء، يراقبنا جبري سايلو وهو أيضاً من بوركينا فاسو، يتحين فرصة العبور إلى إيطاليا، مشيراً إلى صرامة المراقبة على السواحل التونسية “نحن الآن في ورطة، المراقبة الأمنية مشددة علينا في البر والبحر، ولا يمكننا أن نعمل، عائلتي في بوركينا فاسو تحاول أن تساعدني، زوجتي وأبنائي هناك، أنا جئت إلى تونس لمساعدتهم، لأن الوضع هناك صعب للغاية، والمسلحون يدخلون إلى القرى، ويقتلون الرجال والشباب، نحن نبحث عن الأمان والعمل في أوروبا والطريق إلى هناك عبر تونس بات صعباً اليوم بسبب الإجراءات الأمنية الصارمة”.

مدينة “العامرة” لم تعد عامِرة

يتقاسم المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء، وعدد من التونسيين الهدف نفسه وهو العبور إلى السواحل الإيطالية، وغالبية شباب منطقة العامرة هاجر إلى إيطاليا حتى أنها لم تعد عامرة بالشباب كما يقول أحد ساكنيها محسن الوافي “الوضع في العامرة مزري، جميع الشباب تقريباً يرغبون في الهجرة، ولامبيدوزا (الجزيرة الإيطالية) باتت حلمَ الجميع بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس”، لافتاً إلى أن عشرات الشباب من العامرة هاجروا إلى إيطاليا في رحلات سرية.

مواضيع ذات صلة