بين الشعارات والواقع: هل تصنع القمم العربية ربيعًا بلا زهور؟…اشرف المذيوب

بين الشعارات والواقع: هل تصنع القمم العربية ربيعًا بلا زهور؟…اشرف المذيوب

23 ماي، 21:17

في بغداد، حيث التاريخ يئن من وطأة الحروب ويتنفس من شقوق الحضارة، التأمت القمة العربية الرابعة والثلاثون حاملةً شعارًا براقًا: “التضامن، الحوار، التنمية”. كلمات ثلاث تختصر أحلام أمة، لكن… هل كانت القمة بمستوى الحلم؟ أم أننا نعيد تدوير الكلمات في دائرة مفرغة من التغيير؟
من يقرأ البيان الختامي يلمس حماسًا ظاهرًا، إذ جدد القادة العرب دعمهم الثابت للقضية الفلسطينية، ورفضهم التام للعدوان الإسرائيلي، وأدانوا “الصمت الدولي” و”المجازر”. لكنّ القارئ المتأمل لا يلبث أن يسأل: وماذا بعد البيان؟ أين الفعل؟ أين الأثر؟
مسافة بين القول والفعل
لقد بات واضحًا أن البيانات الختامية للقمم العربية، رغم فصاحتها وقوة عباراتها، لا تُترجم إلى قرارات فعالة. يخرج القادة بكلمات تدين وتستنكر وتدعو، ولكن الواقع يزداد تمزقًا، والدم العربي يسيل دون توقف. هذا التباين المؤلم بين الموقف المعلن والممارسة الفعلية يجعل من القمم مهرجانات خطابية أكثر منها محطات قرار.
القضية الفلسطينية… الجرح المفتوح
عادت فلسطين إلى صدارة البيان – كما كل مرة – لكن دون تحرك جماعي ملموس. لم تُعلن أي عقوبات عربية على الدول الداعمة للاحتلال، ولا سحب سفراء، ولا حتى مقاطعة اقتصادية بسيطة. ما زال الطفل الغزي ينزف، والأم تنادي أبناءها تحت الركام، بينما تُرفع الورقات أمام عدسات الإعلام، ويُعاد المشهد نفسه منذ عقود.
مبادرات إنسانية أم مسكنات؟
مبادرة “استعادة الأمل” لعلاج مصابي غزة، رغم رمزيتها الإنسانية، تظل محدودة التأثير في وجه آلة دمار لا تعرف الرحمة. المبادرة تحتاج إلى توسيع لتشمل الدعم الكامل للبنية التحتية، وفتح المعابر، وإنشاء تحالفات دولية لمحاسبة المعتدين. غير أن الصمت السياسي لا يمكن أن يعالَج بمبادرات إنسانية فقط، فالجراح أكبر من ضمادات.
السودان وسوريا… ملفات بلا خريطة
استُعرضت الأزمات في السودان وسوريا واليمن، لكن بلا رؤية موحدة. القمة اكتفت بالتمنيات وعبارات مثل “ندعو”، “نؤكد”، “نناشد”، وكأنها تتحدث من خارج الجغرافيا. لا خطوات واضحة، لا لجان ميدانية، ولا وساطات عملية حقيقية. متى ننتقل من لغة الحياد إلى صناعة الحل؟
أين التنمية؟ أين التكامل؟
شعار التنمية غاب تمامًا عن المخرجات. لم يُعلن عن مشاريع استثمارية عربية مشتركة، ولا عن خطة شاملة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تعصف بالشعوب. أين الصناديق العربية؟ أين الجامعات البحثية الموحدة؟ أين استثمار طاقات الشباب؟ هل سنظل نعيش على ذكريات “جامعة الدول العربية” بدل أن نجعلها صانعة مستقبل؟
في الختام…
إن القمم العربية ليست عديمة الفائدة، لكنها فاقدة للحيوية إن بقيت أسيرة المجاملات والتوازنات السياسية الخجولة. آن الأوان أن تتحول من مناسبات بروتوكولية إلى محطات للتغيير الحقيقي. فالتاريخ لا يرحم المترددين، والشعوب لا تنتظر كثيرًا.
ربما نحتاج قمة داخل الضمير العربي قبل أن نعقد قمة على أرض عربية. قمة تراجع مفهوم الوحدة، وتعيد تعريف “المصير المشترك”. فهل نصحو قبل أن تستيقظ أمتنا على فراغ لا يُملأ، وصمت لا يُكسر؟

مواضيع ذات صلة