تأخر الإصلاحات : المشكلة في الهيكلة والتنظيم وتوزيع الأدوار…الناصر  البحري

تأخر الإصلاحات : المشكلة في الهيكلة والتنظيم وتوزيع الأدوار…الناصر البحري

11 ماي، 20:45

·علاش معطلة

علاش تتأخرالإصلاحات

علاش الشعارات لم تجسم

المشكلة في الهيكلة والتنظيم وتوزيع الأدوار

عديد المسارات معطلة، عديد الإصلاحات الضرورية تأخرت اكثر من اللزوم، بشكل غير مبرر، وغير مفهوم، أهمها، الإصلاح التربوي، إصلاح الإدارة وتحريرها، إصلاح جبائي حقيقي، تحرير المبادرة وبعث المشاريع الصغرى، تطوير الخدمات العمومية من صحة ونقل، وتسهيل إقتناء مسكن لائق، مقاومة التضخم والإحتكار وتعزيز المقدرة الشرائية، جميع هذه المواضيع الحيوية، التي تمثل ركيزة للدولة الإجتماعية، تسكن الشعارات الرسمية المرفوعة لكنها لم تتحول إلى واقع ملموس يغير من حياة التونسيين، #علاش،
كثيرون يلخصون الأسباب بشكل مبسط وسطحي، أقرب للتبرير منه إلى التشخيص، في المنظومات المعطلة وفي حزب الإدارة واللوبيات وقوى الجذب إلى الوراء الرافضة للتغيير تحصينا لمواقعها أو حفاظا على مصالحها أو محاولة للعودة من النافذة. حتى وإن سلمنا بوجود هذه الأسباب، وطبيعي أن تكون موجودة على الدوام، فهي جزء من أسباب أكبر وأشمل، ولا تعفي السلطة القائمة من مسؤولية تحييدها.
الأسباب الحقيقية حسب رأيي تتمثل أساسا في :
1_ هيكلة وتنظيم الحكم والسلطة في مستوى توزيع الأدوار والصلاحيات،

2 المقاربات المعتمدة في إتخاذ القرارات وتشخيص ومعالجة الأزمات وتصور الإصلاحات،
3_ مقاييس إختيارالفريق من المسؤولين القياديين،
4_ تحديدالاولويات ووضع الأهداف وترجمتها إلى خطط عمل وبرامج وقرارات وإجراءات،

5 الجانب الإتصالي

1 في هيكلة وتنظيم الحكم والسلطة

الواضح من خلال الممارسة والتصريحات الرسمية وآداء المسؤولين التنفيذيين القياديين، أن التنظيم المعتمد يقوم على مركزة السلطة في مستوى رئاسة الجمهورية، وإختزال دور بقية الهياكل والسلط التنفيذية في تطبيق التعليمات والقرارات. هذا المعطى يدعمه تصريح الرئيس في إعتبار الوزراء مساعدين، في عدم تشريك الوزراء ورؤساء الحكومات في الزيارات الفجئية علاوة على الغياب الإعلامي والميداني لرؤساء الحكومات، بما يعني أن الأمر لم يكن صدفة بل قرارا. يترتب عن هذه المنظومة تعطيل كبير في معالجة الملفات وفرض رؤية واحدة في التشخيص والحلول، قد لا تكون صحيحة بالضرورة. علاوة على تغييب مقومات فريق العمل المتجانس والمتضامن وغياب المبادرة والتأخير في أخذ القرار أو في إعداد نصوص ترتيبية لتفعيل قرارات أو إجراءات أو هياكل محدثة، علاوة على تعطل الإصلاحات الكبرى وغلبة التصرف اليومي وسياسة إطفاء الحرائق ومعالجة الأزمات الطارئة المتواترة.
كان يفترض أن يركز رئيس الجمهورية على ووضع الإستراتيجيات والتوجهات و التصورات الكبرى، الأولويات، والأهداف الكبرى، الإصلاحات الكبرى العاجلة، مع تكليف الأحهزة التنفيذية بترجمتها إلى برامج وقرارات وإجراءات، مع متابعة وتقييم التقدم في تنفيذها عبر تقارير دورية ومراجعات دورية، بهدف التقييم أو التثمين والتعميم أو التعديل. هذا التقسيم يخول للرئيس التخلص من إدارة اليوميات والتفرغ للإصلاحات الكبرى، على غرار التعليم والجباية والصحة والنقل من خلال تنظيم استشارات وندوات وورشات عمل مع الأطراف المعنية. في المقابل يتم تعزيز الصلاحيات التقريرية للهياكل التنفيذية من رئيس حكومة، وزراء، ولاة ومعتمدين في إتخاذ القرارات والقيام بالتدخلات اللازمة في إطار مهامهم وصلاحياتهم وفي تناغم مع التوحهات العامة المرسومة، دون تردد أو إنتظار الترخيص المسبق.
هذا التقسيم للسلطة والصلاحيات بين مختلف مستويات السلطة التنفيذية تدعمه جميع نظريات الحوكمة والتصرف الحديث.
2_ في المقاربات المعتمدة في التشخيص ووضع الحلول:
حسب عديد الأمثلة، فإن المقاربات المعتمدة في تشخيص ومعالجة الأزمات تفتقد للحد الأدنى من التشاركية وتقوم على تناول قانوني صرف، على حساب الأهم وهو المضامين، على سبيل المثال بقي الإصلاح التربوي معلقا رغم أن الإستشارة الوطنية لإصلاح التعليم تعود لأكثر من سنتين، إصلاح ينتظر إصدار الأمر المنظم للمجلس الأعلى للتربية بينما الأهم هو مضمون الإصلاح الذي يفترض مشاركة جميع الاطراف الفاعلة في التشخيص والحلول، وقد كان بالإمكان إستغلال السنتين المنقضيتين في نقاشات حول أولويات الإصلاح التربوي، مثال ثان، يتعلق بالتحكم في الأسعار، الحل المعتمد إصدار نص يضاعف العقوبات ضد المحتكرين، لكنه لم يحل المشكل، لأنه أكبر من ذلك بكثير ويتعلق بكلفة الإنتاج ومسالك التوزيع وغياب الدور التعديلي للدولة والمحافظة على القطيع بالنسبة للحوم الحمراء.
الواضح ايضا أن عملية التشخيص وإقتراح الحلول صلاحية حصرية للرئاسة، لذلك لم نر إلى اليوم إجتماعا واحداً لرئاسة الحكومة للمبادرة بتشخيص إشكالية أو إقتراح حلول أو إتخاذ قرارات أو إجراءات، فجميع الإجتماعات كانت بعد صدور قرارات أو تعليمات رئاسية، لم نر إلى اليوم رئيس حكومة بادر بالقيام بمعاينة أو زيارة ميدانية أو زيارة فجئية، أو رافق الرئيس في إحدى زياراته، لم نسمع لأي رئيس حكومة خطابا أو رأيا في برنامج حواري، بما يعزز فرضية أنه لم يكن إختيارا سلبيا من رؤساء الحكومات المتعاقبين، بل كان قرارا في إطار الصلاحيات المخولة لهم، علما بأن القرارات الفردية تؤخذ سريعا لكنها تحتمل الخطأ وقد تجد صدا عند التطبيق، بينما القرارات التشاركية قد تستغرق وقتا لإتخاذها لكنها ستحضى بأكبر قدر من المقبولية والإستدامة عند تطبيقها.
3_ مقاييس إختيار الفريق من المسؤولين والقياديين :
الواضح أن هناك إشكال كبير في إختيار المسؤولين القياديين في المناصب الحساسة والدليل على ذلك العدد الكبير من التعيينات والإعفاءات وقصر المدة بينها ويشمل ذلك المستشارين ورؤساء الحكومات والوزراء والولاة، وفي غالب الأحيان لا تجد مبررا وحيدا للتعيين، على غرار تعيين نادية عكاشة مستشارة في القصر( صفر خطة وتجربة قبل التعيين) ، تعيين السيد الحشاني رئيس حكومة ( مدير موارد بشرية متقاعد) تعيين وزيرة التربية بعد خلافها مع الوزير السابق، وإعفائها بعد أشهر من التعيين بعد الحفل الشهير في بهو الوزارة، وأحيانا نفس من يتم إعفاؤهم، تتم ترقيتهم لخطط أهم ثم إعفاؤهم مجددا بنفس السرعة، حصل ذلك مع السيد المدوري، حيث تم إعفاؤه من خطة رئيس مدير عام، عين بعدها وزيرا على رأس الوزارة التي أعفته، وبعد أشهر رئيس حكومة، وأعفي بعد أشهر. مسألة ثانية مهمة أثرت على آداء السلط التنفيذية وتتعلق بغياب مقومات الفريق المتضامن والمتجانس، بإعتبار أن رئيس الحكومة لا يختار فريق العمل من الوزراء، لا يملك صلاحية إعفائهم أو تقييمهم، كما أن الرئيس يتعامل مباشرة مع الوزراء المعنيين في الملفات الراجعة لهم بالنظر، ما يضعف سلطة رئيس الحكومة على الوزراء، ويحد من التنسيق والتكامل بين مختلف الوزارات،
4_ في تحديد الأهداف والاولويات وترجمتها إلى خطط عمل:

عندما نكون في وضعية الأزمة الشاملة وندرة الموارد العمومية مع كلفة المديونية يفترض تحديد الأولويات وإعتماد التدرج ووضع أهداف واقعية قابلة للتحقيق، لأن رفع الشعارات إلى حد الأقصى من التفاؤل قد يقابلة نفس المستوى من الخيبة في صورة عدم تحقيقها، لأن الأهداف غير الواقعية تكون مؤثرة عند إعلانها لكنها تصطدم برهانات وإكراهات الواقع أو غياب الوسائل والآليات لتحقيقها، ولنا في ملفات الصلح الجزائي وإسترجاع الأموال المنهوبة من الخارج خير أمثلة. كما أن الشعارات لكي تتجسم يجب ترجمتها إلى خطط وبرامج مناسبة ، مقيسة في الزمن مشفوعة بسلسلة من القرارات والإجراءات المتناغمة. معطى لم يتجسم إلى حد الآن، وأحيانا الممارسة تكون عكس الشعارات وهذا بشهادة رئيس الجمهورية في عديد المواضيع على غرار قوانين المالية للسنوات الماضية التي لم تتخلص الى اليوم من الضغط الحبائي القياسي على جميع الفاعلين من مؤسسات واجراء وموظفين والذي ينضاف لأعلى نسب الفائدة الموظفة ومستوى تأجير متدن وأسعار مرتفعة، بما يتنافى مع مفهوم الدولة الإجتماعية العادلة.

5 في الجانب الإتصالي :
يعتبر الجانب الإتصالي والتواصلي مهم جدا في آداء أي سلطة قائمة ويكون هدفه تثمين المنجزات، طمأنة الفاعلين ومعالجة الأزمات وتوفير المعلومة المؤكدة للرأي العام والمواطنين، والترويج للسياسات المعتمدة وتعزيز مقبوليتها، والوجه الثاني من الوظيفة الإتصالية يتعلق بالقدرة على الإنصات والتفاعل، لا فقط لما يصدر عن الأنصار لكن كذلك لجزء مما يصدر عن المعارضين والمنتقدين، فلا توجد سلطة في العالم معصومة من الخطأ أو محصنة ضد الأخطاء.
إلى حد الآن الآداء الإتصالي يتسم بالضعف لأن الوظيفة الإتصالية أختزلت في رئيس الجمهورية، الوحيد الذي يتكلم ويخاطب التونسيين في جميع المواضيع والأحداث، وهو أمر سلبي، قد يفقد خطابات الرئيس تأثيرها علاوة على مخاطر الاخطاء في التقدير أو المعطيات المقدمة، كما يتسم الخطاب الرسمي بالنمطية، من خلال تكرار نفس الطريقة والأسلوب وأحيانا نفس المضامين والمفردات بشكل متكرر.جانب آخر سلبي في الخطاب الرسمي، هو غلبة مضامين التتبع والترصد والتهديد وتحميل المسؤوليات في إطار المحاسبة دون تنسيب أو تثمين الجانب الإيجابي أو طمأنة للفاعلين. إضافة لذلك فإن الوظيفة الإتصالية ممركزة في رئاسة الجمهورية والدليل أننا لا نستمع لتصريحات لرؤساء الحكومات أو الوزراء أو الولاة، وحتى في أخطر الأزمات لم نسمع لهم تصريحا على غرار حادثة الجدار. كما أن العملية الإتصالية في اتجاه واحد وتفتقد للتفاعلية، وتقتصر على رسائل يوجهها الرئيس عبر تسجيلات، فلا نجد وزراء أو ولاة يحضرون برامج حوارية، يجيبون على الأسئلة يناقشون افكارا أو مقترحات أو آراء مختلفة، أو يوضحون قرارات أو توجهات.
لكل كذلك تغيرت الأسماء مرارا ولم يتغير الآداء، لذلك من الضروري مراجعة هذه النقاط قبل فواة الأوان، من خلال إعادة الهيكلة والتنظيم وتقسيم الأدوار والصلاحيات بين الرئاسة والأجهزة التنفيذية، بين المركزي والجهوي والمحلي، بين السياسات والإستراتيجيات، البرامج والمخططات، التدخلات والتسيير، حيث تركز مؤسسة الرئاسة على وضع السياسات العامة والأولويات والأهداف الكبرى بالتوازي مع العمل على مشاريع قوانين تقطع مع الإقتصاد الريعي، تعمم وتعزز الفرص وتحيد القوانين المعطلة وتكرس العدالة الجبائية، إضافة إلى فتح وادارة حوارات مع الأطراف المعنية بالاصلاحات الكبرى خاصة التعليم والتغطية الإجتماعية والصحية، بإعتبارها مقومات الدولة الإجتماعية، في المقابل، يتم تعزيز الصلاحيات التقريرية للهياكل التنفيذية المركزية والجهزية والمحلية، لوضع البرامج والآليات وإقتراح القرارات والإجراءات الكفيلة بتحقيق الأهداف وتجسيم السياسات والتوحهات العامة، ولضمان ذلك يفترض حسن إختيار المسؤولين المناسبين مركزيا وجهوبا عبر مقاييس موضوعية تعتمد الكفاءة بالأساس في مختلف أبعادها الفنية والقيادية والإتصالية. وأخيرا، يجب تعزيز وتعميم المقاربات التشاركية في إتخاذ القرارات الهامة والمؤثرة إضافة إلى تطوير الجانب الإتصالي من خلال حضور أجهزة الدولة في البرامج الحوارية وتنظيم نقاط إعلامية شهرية لتقديم المنحز والمبرمج وتوضيح التوجهات والخيارات ورصد الإنتظارات والإنصات للإنتقادات والتفاعل معها عبر آليات التطوير والتصحيح والتجويد والإستباق ومحاصرة الإشاعة وتقديم المعطيات الرسمية.

مواضيع ذات صلة