تكلم يا مواطن… (الجزء الرابع)…. الطاهر العبيدي
مواطن أنا، أحبّ بلدي، أحبّ فيه الأسواق الشعبية، التي تمتزج فيها أصوات الباعة بدخان الأكلات الشعبية السريعة، وتختلط فيها الغلال بالخضار، والملابس بالأواني، والتوابل بالأقمشة، فتشكل لوحات طبيعية تلقائية من البساطة والجمال، أحبّ بلدي، أحبّ فيه دروس الابتدائية، والأناشيد الطفولية، وشيوخ الحيّ والقرية، وعودة التلاميذ الصغار من المدارس، ولحظات انتظار أذان المغرب في رمضان، والبائعين المتجوّلين وأشياء كثيرة، وكل تلك الأيام البسيطة الجميلة، تلك هي بعض المشاهد من بلدي التي هي جزء من ذاكرتي، من عمري، من جسدي، من وجعي، من حلمي، من ألمي، ومن فرحي، مطبوعة في ذهني في سفري وترحالي…
أيها السادة والسيدات أيها السياسيون أيها الحقوقيون أيها الإعلاميون أيها النخب والمثقفون…
مواطن كنت وما زلت، لا أعرف ما تعرفون، ولا أنا عارف ما عرفتم، ولا أنتم تعرفون ما أعرف. كلّ ما أعرف أن الدولة إذا احتاجتني تناديني بأفضل الأسماء، وتتغنّى بكرمي بشرفي، بوفائي بوعيي، عند المصائب وعند الكوارث، وعند جمع الضرائب، وتمدحني كثيرا أثناء مواعيد الانتخاب، ومواعيد الاستفتاء عبر الإذاعة والتلفزة وعلى صفحات كل الجرائد.
كل ما أعرف أن الدولة تعقد باسمي صفقات التوريد والتصدير، وكل الاتفاقيات مع الأجانب، وتلهث باسمي في الاحتفالات في المناسبات وعند الفيضانات والمراسم، وتتغزّل بشهامتي بكرمي عند المصائب، تستنفرني وتستنجد بي عند المكائد، تلقبني بأجمل النعوت وتناديني بأرقى الأسماء : أيها المواطن الكريم – أيها المواطن العزيز – أيها المواطن الشريف – والعديد من الألقاب التي تبعث فيّ العزّة والشعور الصارخ بالانتماء.
- لمن فاته الاطلاع على الاجزاء السابقة، يمكنه الاطلاع عليها في موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس.