تُونس 14 جانفي … ذكرى في مهبّ الإنقسام

تُونس 14 جانفي … ذكرى في مهبّ الإنقسام

13 جانفي، 21:59

على امتداد السنوات السبع الأولى بعد 14 جانفي 2011، كان التونسيّون ينتظرون موعد عيد ثورتهم على أحرّ من الجمر لتعمّ الأفراح والاحتفالات  في كامل البلاد، وليجدّدوا تمسّكهم بانتقالهم السلميّ نحو نظام ديمقراطي وسط اهتمام عالميّ وإشادة غربيّة بقدرة التونسيين على تجاوز اختلافاتهم عبر الحوار.  وقد نالت تونس، مُمَثّلة في الرباعي الراعي للحوار الوطني سنة 2015، وللمرة الأولى، جائزة نوبل للسلام في عهد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي من خلال تجربة “الحوار الوطني” وقد كان لهذا الرباعي (أربع منظّمات وطنية) دور بنّاء في دعم مسار الانتقال الديمقراطي وإنقاذ تونس من خطر الانهيار في أثناء أزمة سياسية خانقة شهدتها البلاد.

وكانت الاحتفالات في تونس تنطلق منذ 17 ديسمبر من كل سنة وتتواصل حتى 14 جانفي على اعتبار ما أقرّه دستور2014 بعد لغط وجدل طويلين، بشأن تحديد الموعد الأدقّ لهذه الذّكرى. ويعود اليوم وَمِن جديد هذا اللغط والانقسام حول موعد هذه الذكرى بعد تغييرها من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر، بأمر رئاسيّ رأى فيه البعض “تصحيحا لتاريخ المسار الثوري أعاد لأبناء سيدي بوزيد والمحافظات المهمشة الاعتبار الرمزي”. في حين رأى البعض الآخر، وفي هذه الظروف السياسية، أنّه “مجرد استغلال واستبلاه وركوب على الأحداث وتجارة بالثورة” لا سيّما وسط حالة الانقسام السياسي غير المسبوق التي عاشتها البلاد ولا تزال.

وقد خلّفت الصورة الفوضوية لأعمال البرلمان منذ انتخابات 2019 حالة من السخط العام على دور هذه المؤسسة الديمقراطية العتيدة؛ فقد خاب أمل التونسيين في عدد كبير من النواب الذين انتخبوهم وبان بالكاشف رغبة البعض في استغلال نفوذهم، ورغبة آخرين في تعطيل أعمال البرلمان نِكاية بخصومهم، ورغبة البعض الآخر في التخلّص من خصومهم السياسيين أو الإيديولوجيين ولو على حساب الملفات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتنموية الحارقة التي تنخر البلاد.

وعاشت تونس شللاً سياسياً، نتيجة المشاحنات التي كانت دائرة أيضا بين الرئيس قيس سعيّد من جهة ورئيس الحكومة المقال هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشدالغنوشي من جهة ثانية. وفاقم التوتر السياسي من تردّي الوضع الاقتصادي للمواطنين في بلد محكوم بالتأقلم مع شروط صندوق النقد والبنك الدوليين، نظراً إلى تراجع نسبة النموّ غير المسبوقة، وارتفاع المديونية التي تثقل كاهل المواطنين.  

في ظل تصاعد الأزمة السياسية والاقتصادية وعجز عن توفير اللقاحات لمواجهة الموجة الرابعة لتفشي فيروس كورونا، جاء قرار الرئيس قيس سعيّد يوم 25 يوليو/تموز 2021، بتفعيل المادة (80) من الدستور، واتخاذه إجراءات “استثنائية” أقال بموجبها الحكومة وجمّد البرلمان ورفع الحصانة عن كافّة نوّابه، وألغى هيئة مراقبة دستورية القوانين، إضافة إلى إصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وترؤسه للنيابة العامة وتأليف حكومة جديدة… ممّا أحدث انقساما في الشارع التونسي بين مرحّب بخطواته واعتبارها تصحيحا للمسار، وبين رافض لها باعتبارها انقلابا على الدستور. حتّى كان إعلانه في 17 ديسمبر الماضي، تحت ضغط داخليّ وخارجيّ، عن خارطة طريق أطلق بموجبها الرئيس قيس سعيد استشارة شعبية وطنية “إلكترونية” بداية من يناير 2022 للإطلاع على رأي الشعب في التعديلات الواجب إدخالها على النظام السياسي ومعرفة الاتجاه العام للتونسيين في الإصلاح والتغيير، كما حدّد موعد 17 ديسمبر 2022 لإجراء انتخابات تشريعية قادمة، متجاهلا إلى حدّ الآن الأحزاب والشخصيات والمنظمات الوطنية في هذه الاستشارة.

إذًا، يُحيي التونسيون هذه الذّكرى، في ظلّ هذه التطوّرات السريعة والخطيرة، وتفاقُمِ الانقسام بشكل كبير تجلّى في أكثر من مناسبة آخرها 17 ديسمبر الماضي في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة الذي شهد تظاهرة مؤيدة لسعيد وقرارته، وأخرى مناهضة لهذه القرارات قادتها مجموعة “مواطنون ضد الانقلاب” التي تألفت من شخصيات وطنية وشبابية تدعو إلى العودة بتونس إلى نظامها البرلماني الضامن الوحيد للديمقراطية في البلاد. 

هكذا، يحيي التونسيون الذكرى الحادية عشرة للثورة ببرود شديد، ويأس في تحسّن الأوضاع على المدى القريب والمتوسط لا سيما مع البرنامج الاقتصادي المخيّب لآمال التونسيين والذي أعلنته الحكومة منذ أيام قليلة.. كل ذلك في ظل انقسام اجتماعي واستقطاب سياسي وأزمة صحيّة مع الموجة الخامسة من جائحة كورونا. لتكون هذه الذكرى في مهبّ الانقسام… فكيف السبيل إلى إعادة اللحمة إلى الحياة السياسية؟ وهل من حلول كفيلة بإخراج البلاد من الأزمات المتعددة التي تعصف بها؟

سليم مصطفى بودبوس.

مواضيع ذات صلة