حبل الغسيل.. حبل الحكايات قراءة في لوحة بدون عنوان للفنانة التشكيلية  أماني ذويب.

حبل الغسيل.. حبل الحكايات قراءة في لوحة بدون عنوان للفنانة التشكيلية أماني ذويب.

5 أوت، 18:32


ضمن معرض جماعي في فضاء “رواق” بسوسة، تعرض الرسامة أماني ذويب لوحة زيتية تبدو للوهلة الأولى وكأنها رسم طفولي ولكن عندما تعلم أن مجال البحث الأكاديمي للرسامة هو “الفن الساذج” فإن نظرتك للوحة تتغير تماما. جاءت اللوحة في أبعاد مخصوصة حيث تجاوز طولها العرض بأكثر من الضعف ما يعكس امتداد حبل الغسيل ولئن تعودنا رؤية “الشريطة” على خلفية زرقاء تعكس السماء فإن خلفية اللوحة جاءت في شكل تدرجات للأخضر الفستقي. وكأنها مرج معشّب يحتضن الطفولة اللاعبة الجارية. إن إدراج حبل الغسيل في عمل تشكيلي هو في الواقع إخراجه من سياقه الاجتماعي ومعناه المعجمي الى حقل مليء بالدلالات غاصّا بالعلامات خاصة إذا انتبهنا الى كثرة التفاصيل المنبثة في أرجاء اللوحة سواء الموحية بأنها معلقة بالشريطة أو حولها. في الأصل هما حبلان ويوهم المنظور Perspective بأن الناظر طفل حيث لا نرى حبلا بجانب حبل وإنما حبلا فوق حبل وهي زاوية نظر الطفل من أسفل إلى أعلى. وإذا تمعنا في تفاصيل اللوحة سنجد مجموعة من الثياب والملابس(الثياب هي الظاهرة على الشخص والملابس هي الداخلية) والمجسمات والعرائس وإذا كان المعلوم أن حبل الغسيل ثابت فإن ما يعلق عليه أو (يُنْشر عليه) متغير وفيه قطع تتواتر وقطع ترد للمرة الأولى (جديدة) وقطع تختفي ولن تعود (تركت وأهملت) ما يذكرنا بالمؤقت L’éphémère وكأننا إزاء محطة حافلة يتواتر عليها أشخاص يوميا ويرد أشخاص مرة واحدة ويأتي “أوفياء” جدد ويختفي قدماء بموت أو انتقال ولكن وراء كل شخص حكاية وحياة. كذلك هي الأشياء المعلقة المنشورة، لكل قطعة حكاية وحياة. تذكر صاحبها ومعارفه بمواقف وحوادث يل وقد نصف شخصا ما بنوع لباسه او قطعة معينة تلازمه. حبل الغسيل يتجاوز معناه المعجمي ليصبح فضاءً للفضح والتعرية وميدانا للمحاسبة. قد نفخر بما عليه وقد نخجل. هو الفيصل بين ما قبل الغسل وما بعده. بين الدرن والنظافة بين المستور حد السرية والمنشور على الملإ وتحت الشمس بما فيه من ألوان وأشكال وتفاصيل. وَسَمتْ الرسامة لوحتها “بدون عنوان” وهذا في حد ذاته عنوان قد يكون التيه والضياع وقد يكون كل العناوين على عكس حبل الغسيل الحقيقي الثابت أبدا. وبهذا المعنى يحيل غياب العنوان إلى الاشتراك الجمعي في مشاعر وأحاسيس وحكايات فيها الرضا وفيها الخيبة فيها المتعة وفيها الألم. وهل الحياة غير تواتر للرضا والخيبة والمتعة والألم.
لوحة تضاف إلى رصيد الفنانة والباحثة الأكاديمية أماني ذويب التي سبق لها المشاركة في عديد المعارض ونال عدد من لوحاتها جوائز وطنية ومازالت تجمع بين الإبداع الجمالي والبحث العلمي وننتظر منها الكثير من الانجازات.
علي بوكادي

مواضيع ذات صلة