حديثُ الجمعة : موانع محبة الله عزّ وجلّ
ثمة موانع تمنع المحبة وتضعفها:
1- الرياء وإرادة الدنيا في عمل الآخرة.
2- هجر كلام الرحمن والجفاء منه.
3- إضاعة الفرائض والتهاون في فعلها.
4- الغفلة عن ذكر الله.
5- الشح بالمال ومنعه عن المحاويج والفقراء.
6- الاشتغال بالمعاصي والملاهي الموجبة لسخط الله.
7- مصاحبة أهل الغفلة والفساد.
8- حب النفس وترك النصح للخلق.
9- التسخط والتضجر من الرزايا والمصائب.
والله جل جلاله يحب من شاء من عباده ويحب من أقوالهم وصفاتهم الحسنة. قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}. وقال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
فالمحبة صفة اختيارية ثابتة لله تعالى على الوجه اللائق به من غير تشبيه ولا تعطيل فهو سبحانه يحب من شاء متى شاء والسعيد من نال محبة الله في أرضه وملكوته.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل إن الله تعالى يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض».
فيا سعادة من فاز بهذه المرتبة الشريفة التي لا تعدلها مرتبة في الدنيا لا مال ولا جاه ولا سلطان. قال هرم بن حيان: “ما أقبل عبد بقلبه على الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه ودهم”.
ومن كمال محبة الله وتمامها المحبة لله فيحب المرء عملًا وقولًا وهيئة وزمانًا ومكانًا معينًا لأجل محبة الله لها فيؤثرها على سائر الأشياء ولو زهد فيها الناس. فكل عمل ورد فيه ثناء الله عليه ومحبته له في الكتاب والسنة أحبه ودعا إليه كتحسين التلاوة بالقرآن وغيره. وكذلك مما يحمد في هذا الباب أن يكون تصرف العبد كله لنيل مرضاة الله ومحبته، ولهذا ورد في الحديث: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان» (رواه أبو داود).
ومن كمال محبة الله وثمرتها المحبة في الله فيحب الرجل أخاه ابتغاء مرضاة الله لا يحبه لأجل نسب أو حسب أو مال أو دنيا وقد ورد في ذلك فضل عظيم في الآخرة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل وجبت محبتي للمتاحبين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في» (رواه أحمد).
وفي (صحيح مسلم): «إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» . فمحبة الرجل الصالح ومودته والقيام بحقه والذب عن عرضه لأجل إيمانه بالله ورسوله مع كونه من الأباعد نسبًا وبلدًا يدل على امتلاء القلب بمحبة الله وتعظيمه وتوقيره وإيثار ما عنده من النعيم على عرض الدنيا الزائل.
وسئل المرتعش: بم تنال المحبة. قال: “بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه”. وليس إعطاء الله الدنيا للعبد علامة على محبته له واصطفائه كما يظنه الجهال فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب وقد اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم الفقر ومنع عنه الدنيا وجاء في الحديث: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء» (رواه الترمذي).
فلا ينبغي للغني أن يفرح بها ويظن أنه من أهل الرضا ولا ينبغي للفقير أن يحزن على فقدها ويظن بربه سوءًا. وإنما علامة المحبة للمؤمن أن يحزن ويغتم لذنوبه وتفريطه وعلامة محبة الدنيا أن يغتم ويكلف بجمعها. قال حماد الدباسي: “إذا أحب الله عبدا أكثر همه فيما فرط وإذا أبغض عبدا أكثر همه فيما قسم له”. ومن علامة محبة الله لعبده أن ينزل به البلاء ويبتليه بالمحن ويلهمه الصبر والرضى بها كما جاء في الحديث: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء و إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط» (رواه الترمذي). وهذا حال أهل المحبة لله وأصفيائه في هذه الدنيا يعرفون بكثرة البلاء. أما الفجار وأهل الغفلة فيبسط الله لهم الدنيا ويوسع عليهم ويتابع عليهم الخيرات استدراجًا وفتنة لهم كما روي في (مسند أحمد): «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون».
ولا يلام العبد أبدًا على محبة العشيرة والوطن والولد والزوجة والمال ولا تناف تلك المحبة محبة الله والإيمان به إذا كان ذلك في حدود الشرع ولم يترتب عليه مفسدة لأنه حب فطري غريزي قد فطر الله الإنسان عليه وأباحه الشرع ولم ينه عنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بل كان يحب صلى الله عليه وسلم بلده وأهله وعشيرته. ويشترط لتلك المحبة أن تكون تابعة للشرع مقيدة بأحكامه وضوابطه ولا تناف مقاصده.
أما إذا غلا فيها العبد أو اتخذها إلها أو والى وعادى لأجلها أو شغلته عن اتباع الشرع وأوقعته في المحاذير فحينئذ تكون إثما ويؤاخذ عليها في الآخرة ويلحقه ذم ويتناوله الوعيد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شِيك فلا انتقش» (رواه البخاري). ويشرع للمؤمن سؤال محبة الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتاني ربي عز وجل -يعني في المنام- فقال يا محمد قل اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك» (رواه الترمذي وصححه) . فينبغي للمؤمن أن يلح في دعائه في طلب محبة الله والفوز بمرضاته والاتصاف بقربه.
ومحبة الله منزلة عظيمة لها فضل عظيم وآثار حسنة ومزايا نافعة على من تحلى واتصف بها. قال فتح الموصلي: “المحب لا يجد مع حب الله عز وجل للدنيا لذة ولا يغفل عن ذكر الله طرفة عين”. وقال فرقد السبخي: “قرأت في بعض الكتب من أحب الله لم يكن عنده شيء آثر من هواه ومن أحب الدنيا لم يكن عنده شيء آثر من هوى نفسه والمحب لله تعالى أمير مؤمر على الأمراء زمرته أول الزمر يوم القيامة ومجلسه أقرب المجالس فيما هنالك والمحبة منتهى القربة والاجتهاد ولن يسأم المحبون من طول اجتهادهم لله عز وجل يحبونه ويحبون ذكره ويحببونه إلى خلقه يمشون بين عباده بالنصائح ويخافون عليهم من أعمالهم يوم تبدو الفضائح أولئك أولياء الله وأحباؤه وأهل صفوته أولئك الذين لا راحة لهم دون لقائه”.
خالد بن سعود البليهد