حوار مع الكاتب الكبير عبد القادر بن الحاج نصر… الجزء الثالث والاخير
* السياسة لا أخلاق لها
* مصائب العرب متأتّية من سياسيّيهم ومثقّفيهم الذين لا ارتباط لهم بالأوطان
* “الرّبيع العربي” هو نتاج استراتيجية غربية استعمارية وصهيونية هدفها تفكيك أوصال هذه الأمّة
15- من هو مثلكَ الأعلى في السياسة ؟
أرفض أن يكون لي مثل أو قدوة أو رمز في السياسة بعد هذه المسيرة الأدبيّة والفنّيّة، فالسّياسيّون جميعهم يؤمنون بالمصلحة، أي أنّ الغاية تبرّر الوسيلة.. إِذًا كيف لي أن أعتنق مذهبا سياسيا أو أتعلّق بشخصية فاعلة في السياسة أي في مصائر الشعوب وهي إن رأت أنّ مصلحتها تقتضي القتل أو النّفي أو السّجن فعلت ذلك دون تردّد.. السياسة لا أخلاق لها.
16- هل توافق الرّأي القائل إنّ الشّعوب العربية تحتاج إلى حاكم قويّ محبّ يحكم بالعدل وبشيء من الحزم والصّرامة لإحلال النّظام بدل ميوعة خدّاعة وفوضى خلّاقة باسم الديمقراطية ؟
آه.. منك.. لن أتورّط في الإجابة على هذا السؤال.. المهمّ أن ننظر إلى أمّتنا العربية مجتمعة ومتفرّقة.. الشعوب العربية كانت لها أحلام والمثقّفون والمتعلّمون أيضا.. لكنّ الأحلام تونع في الوجدان وفي الخاطر ثمّ تجفّ وتموت مثل أوراق الشجر أيام الخريف.. كم كانت الأحلام وردية ثمّ ذَوَتْ أوراق الورد !.. أقول لك ولا أخشى لومة لائم إنّ مصائب العرب متأتّية من سياسيّيهم ومثقّفيهم الذين لا ارتباط لهم بالأوطان.. ألا تتذكّر من الذي تسبّب في احتلال العراق ومن تسبّب في تدمير سوريا وليبيا ؟.. عندما لا يكون رجل السياسة ورجل الثقافة عاشقين للوطن فآنئذ تصبح الخيانة مبدأً أو قيمة مثلى لدى هؤلاء.. لا تتردّد.. انظر على مدى الساحة العربية ثمّ أعد السّؤال.
17- تحدّثتَ كثيرا عن مأساة العراق الجريح في رواية “مقهى الفنّ”.. ألا تعتقد أنّ جرح العراق ينزف منذ عهد الصّحابة إلى يومنا هذا ؟ وما رأيكَ في الخديعة التي تعرّض لها هذا البلد العظيم ورئيسه الشّهيد صدّام حسين المجيد في تواطئ من العرب أنفسهم وأمام غياب قانون دولي رادع لظلم الغزاة ؟
كانت العراق قبل احتلالها من قِبَلِ الامبريالية الأمريكية قوّة اقتصادية وثقافية وعلمية وعسكرية. وكانت تقدّم المساعدات السّخيّة لكل البلدان العربية التي تعاني الخصاصة، حتّى إنّها كانت تتكفّل بتأمين حاجات إحدى الدول العربية في قطاع التعليم، وكانت تفتح أحضانها لكل عربي يأتيها طلبا للتعليم أو طلبا للشغل.. وكانت إنجازاتها في الصناعة والفلاحة والعلوم مزدهرة باستمرار ممّا أثار حفيظة الغرب الذي وجد في المعارضة تشجيعا، بل دعوة للغزو.. كانت هذه العراق قبل الغزو وانظر إليها اليوم.. كانت العراق عراقا واليوم ترزح تحت القواعد العسكرية الأمريكية، فلا استقلال ولا سيادة كاملان.
18- ألا تعتقد أنّ “الربيع العربي” امتداد لما حصل في العراق ؟
إنّ الرّبيع العربي بين قوسين هو نتاج استراتيجية غربية استعمارية وصهيونية هدفها تفكيك أوصال هذه الأمّة، وتجريد شعوبها من هُويّتها وانتمائها وثقافتها ودينها كي تظل مرتهنة ضعيفة ومتصارعة حتى يسهل اختراقها وسلب إرادة المواجهة والتّحدّي لديها، وأخيرا تقديمها لقمة سائغة لإسرائيل وهو ما حدث ويحدث لتصبح هي “السّيّد” والعرب هم “العبيد”. استراتيجية واضحة المعالم لا تخفى على أحد.
19 – الوطن العربي مفكَّك وممزَّق أكثر من أيّ وقت مضى والوحدة العربيّة أصعب في ظلّ الاحتلالات والثّورات والأوبئة والجهل والفقر والفوضى الخلّاقة التي تكاد تعمّ الجميع من المحيط إلى الخليج. أيّ دور للجامعة العربية ؟ وهل توافق أنّها مشلولة منذ زمن ؟ وماهي الحلول من أجل مستقبل أفضل للعرب ؟
لا دور للجامعة ولا حول ولا قوّة.. لو كان للجامعة دور أو قوّة أو نفوذ سياسي ومعنوي لما اجتمع العرب باسمها على تدمير سوريا بما لم تشهده أيّ دولة في التاريخ الحديث.
20- بعض “المسلمين” شوّهوا هذا الدّين العظيم الذي أصبح عند بعضهم موروثا وطقوسا شكليّة خالية من المقاصد النّبيلة، فكيف السّبيل لإصلاح ما فسد ؟
لستُ من أصحاب الرأي في هذا الميدان.. المهمّ أنّني أحسب نفسي عربيّا أغار على مكتسبات العرب وسيادتهم من الماء إلى الماء وأحسب نفسي مسلما محبّا للدّين الإسلامي، أصلّي وأصوم رمضان وأعشق الطّواف في رحاب البيت الحرام والتّأمّل في رحاب المسجد النّبوي.. لا أدّعي ثقافة المصلحين ولا المفكّرين.. عاش من عرف قدره.
21- لم تنجح محاولات الحوار بين الأديان إلّا قليلا، ولعلّ تعصّب كلّ فرقة لنفسها حال دون ذلك، فكيف يمكن بناء عالم متسامح يؤمن بالقيم النّبيلة المشتركة بين كل الأديان والمذاهب ؟
إن الحوار بين الأديان الثلاثة والثقافات عنوان جذاب ومغر يبعث على التفاؤل ويغري بالبحث عن الحقيقة.. والحقيقة أن الدين اليهودي والدين المسيحي تشدهما روابط تاريخية منغلقة دون الآخرين وكذلك الثقافات.. فمنذ أن جاء الدين الإسلامي ومعه الثقافة والحضارة كانت هناك استراتيجية التآمر والتشويه واعتبار الدين الإسلامي والحضارة والثقافة المنتمية لهما منزلة متدنية بالقياس الى الحضارة المسيحية اليهودية.. ولقد نشأ شعار حوار الثقافات والأديان من أجل اتهام العرب والمسلمين باطلا بالانغلاق.. وتبعا لهذه الاستراتيجية نظمت حملات مكثفة ومتواصلة رصدت لها مليارات الدولارات وسخرت لها مجلات وصحف وقنوات وأفلام وثائقية وغير وثائقية لزعزعة إيمان الشباب العربي والمسلم بقيمه ومثله ودينه وحضارته وآدابه وما تزال المؤامرة متواصلة وفاعلة.. إنها مؤامرة صهيونية غربية متجذرة في سلوك صناع القرار في الغرب.
22- في حواراتكَ الإعلاميّة أو مقالاتكَ الصّحفيّة وفي إصداركَ الأيقونة “عاشق وطن”، لاحظنا تحليلكَ الجيّد للأحداث وتعمّقك في أسرارها وسبر أغوارها واستشرافكَ للمستقبل أحيانا كثيرة.. لماذا لم تؤلّف كتبا تحليليّة أو حتّى فلسفيّة كما فعل محمّد حسنين هيكل والصّافي سعيد وعبد الباري عطوان وغيرهم ؟ هل تركتَ الطريق السّهلة واخترتَ الأدب لتحليل الواقع بأسلوب نبيل وغير مباشر ؟
ولماذا أؤلّف كتبا تحليليّة أو فلسفيّة وأنا قصّاص وروائي وسيناريست وكتبتُ للمسرح ؟.. أتريدني أن أخرج من جلدي، أو أقلّد الآخرين فأفقد خصوصيّتي وما درجتُ عليه منذ شبابي الأوّل ؟ إنّ ما تتضمّنه الحوارات من آراء وأفكار هي زبدة إنتاجي الأدبي والفنّي. لكنّني ألتزم حدودي، وعلى قدر كسائي أمدّ رجليّ.. كل فكري وفلسفتي وآرائي تتضمّنه رواياتي ومجموعاتي القصصية ومسلسلاتي التلفزيونية.
23- كيف ترى تونس بعد 30 سنة ؟
أرى تونس جميلة، خضراء، مزدهرة، عظيمة بأبنائها، فخورة بمثقّفيها وعمّالها ومدرّسيها، أراها درّة المتوسّط.. آه لو يتحقّق الحلم.
24- سيرة اجتماعية نبيلة ومسيرة ثقافية زاخرة بالعطاء في مختلف أنواع الكتابة، بماذا تريد أن يذكركَ التّاريخ الإنساني والأدبي ؟
أنا عاشق وطن.. لا أكثر ولا أقلّ.
حاوره : سامي النّيفر