
خبراء: الذكاء الاصطناعي يوفر فرصة غير مسبوقة للباحثين في تونس
اعتبر عدد من الخبراء والأساتذة الجامعيين المختصين في المجال التكنولوجي أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة غير مسبوقة للباحثين، إذ يمكنه معالجة ملايين البيانات في وقت قياسي، بما يختصر سنوات من العمل التقليدي.
وأكدوا في تصريحات ل(وات) أنه من الضروري أن تستفيد تونس من هذه التكنولوجيا التي من شأنها أن تساهم في تحسين دقة النتائج والحد من الأخطاء البشرية، فضلا عن قدرتها على التنبؤ بالظواهر وإيجاد حلول مبتكرة لمشاكل معقدة في مجالات الصحة، البيئة والطاقات المتجددة.
غير أنهم شددوا في المقابل على أهمية أخلقة استخدامات الذكاء الاصطناعي، والدعوة إلى إحداث هيكل وطني مختص يتولى تحديد ضوابط أخلاقياته، معتبرين ذلك ضرورة ملحة مع اتساع رقعة استخدام هذه التكنولوجيا في عديد المجالات.
تونس لا تستغل الذكاء الاصطناعي بالقدر الكافي
اعتبرت الأستاذة الجامعية بالمعهد العالي للإعلامية بجامعة تونس المنار ونائبة رئيس الجمعية التونسية للذكاء الاصطناعي، نجيبة المرابط بالعج، أن تونس لا تستغل الذكاء الاصطناعي بالشكل الكافي، محذرة من أن عدم تطوير استخداماته قد يؤدي إلى تراجع المستوى الرقمي والتكنولوجي.
وأوضحت في هذا السياق أن محدودية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي قد تقيد الباحثين، خاصة في إطار المشاريع البحثية الدولية، حيث يتيح الذكاء الاصطناعي التوليدي إمكانية الاطلاع على مستوى هذه المشاريع ومدى تقدم الدول فيها، فضلا عن تقديم لمحة حول الإمكانيات والتجهيزات المعتمدة في الدول الرائدة في المجال.
وأضافت المرابط أن تونس تسجل عددا قليلا من براءات الاختراع مقارنة بعديد الدول الأخرى، وذلك نتيجة عدم تثمين البحث العلمي، إضافة إلى ضعف البنية التحتية الرقمية وغياب التجهيزات المناسبة، ولئن وجدت فإنها لا تستجيب للمعايير والمقاييس الدولية بسبب البيروقراطية. وأشارت إلى أن الجامعات تتحصل على صفقات لتوفير التجهيزات، لكن التسليم يتأخر بشكل لافت، مما يجعلها غير ملائمة للتطورات التكنولوجية.
كما لفتت إلى أن تونس تعاني من غياب قاعدة بيانات وطنية، الأمر الذي يحّ من توظيف الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية.
وأكدت كذلك أن البيروقراطية تتسبب في فشل إحداث عدد من الشركات الناشئة وإحباط أصحابها، الذين غالبا ما يفضلون لاحقا العمل مع شركاء في الخارج، نتيجة فقدانهم الحافز وعدم تقدير تطبيقاتهم أو أفكارهم محليا.
الذكاء الاصطناعي بين تسهيل البحث العلمي ومخاطر التعويل عليه بشكل تام
أشارت المرابط إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية تسهل الوصول إلى المراجع التوثيقية وتختصر زمن البحث العلمي، لكنها شددت في المقابل على ضرورة مراجعة المصادر الأصلية وعدم التعامل مع نتائج المحادثات كحقائق مطلقة.
وبيّنت أن الاستفادة المثلى من هذه الأدوات تتطلب إجادة هندسة المساءلة (أي طريقة صياغة الأسئلة) من قبل الباحث أو الطالب، مع الحرص على التثبت من المعلومات عبر المصادر الأكاديمية والبحثية.
وحذرت من أن الاعتماد المطلق على الذكاء الاصطناعي في إعداد البحوث قد يؤدي إلى تضليل معلوماتي يمكن كشفه بسهولة من قبل الأساتذة أو لجان التأطير عبر برمجيات خاصة أو من خلال اختبار معرفة الباحث بموضوعه. كما أن دور النشر العلمية باتت قادرة على تتبع السرقات الفكرية أو الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قبل قبول النشر.
ضرورة إحداث هيكل وطني لأخلقة استخدامات الذكاء الاصطناعي
وأضافت الباحثة: “لم نسجل في تونس تجاوزات كبرى في استخدام الذكاء الاصطناعي، غير أنه من الضروري إعداد استراتيجيات وطنية مستدامة تتجاوز تغيّر الحكومات، من أجل ضمان حسن توظيف هذه التكنولوجيا”.
وأشارت إلى أن تونس تفتقر حاليا إلى شركات أو مؤسسات تعليمية متخصصة في ضبط أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يستدعي إحداث هيكل وطني يعنى بهذا الشأن.
كما دعت إلى إدراج برامج تكوينية في منظومة التعليم لتعليم الاستخدام العقلاني لهذه التكنولوجيا وتطوير استعمالها لتفادي تراجع المستوى الرقمي والتكنولوجي الوطني.
وشددت على أهمية توفير تكوين مستمر للأساتذة في جميع المراحل التعليمية حول الاستخدام الرشيد للذكاء الاصطناعي، إلى جانب إدماج التعليم التفاعلي منذ المرحلة الابتدائية لبناء فكر نقدي قادر على التكيف مع مختلف التطورات التكنولوجية.
الفكر النقدي ضرورة لحسن استخدام الذكاء الاصطناعي
من جانبه، اعتبر رئيس الجمعية التونسية لوقاية الشباب والطفولة من مخاطر المعلوماتية وخبير في التربية السيبرنية، محمد بن نعمان، أن استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي أو في المجالات الاجتماعية والمهنية يجب أن يقوم على قاعدة “لا إفراط ولا تفريط”، مع ضرورة التحلي بالفكر النقدي.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي يظل مجرد وسيط رقمي لا يملك الفكر الإبداعي، بل يقتصر دوره على طرح الإجابات الأكثر شيوعا. وأضاف أن هذه النظم قد تلجأ أحيانا إلى “اختلاق” معلومات غير صحيحة في غياب الإجابة، فيما يعرف بـ”الهلاوس”.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يتمتع بالحياد التام، إذ يظهر ما يسمى بـ”التعاطف الاصطناعي”، حيث يميل غالبا إلى موافقة آراء المستخدم. وحذر من أن هذا السلوك قد يدفع بعض الفئات الهشة، خاصة من يعانون من الوحدة، إلى التعامل معه كـ”صديق افتراضي”، مما قد يؤدي إلى العزلة الاجتماعية والابتعاد عن الواقع.
وأكد أن الخطر الأكبر يكمن في جهل المستخدم بمخاطر الذكاء الاصطناعي أو الإفراط في الاعتماد عليه، داعيا إلى ضرورة تحديد الأهداف والحاجيات بدقة، مع التعامل معه كأداة مساعدة فقط.
من جهته، شدد العضو المكلف بملف التحديات الأخلاقية والقيمية في الفضاء السيبرني والذكاء الاصطناعي صلب الجمعية ذاتها، محمد بلال الورغي، على ضرورة أخلقة الذكاء الاصطناعي، أي إلزام المصنعين والمبرمجين بمراعاة الأخلاقيات ووضع حدود واضحة لا يمكن تجاوزها.
وأوضح أن مخاطر الذكاء الاصطناعي تستهدف أساسا الفئات الهشة من مختلف الأعمار، إذ قد يتخذونه صديقا افتراضيا بسبب معاناتهم من الوحدة، وهو ما يدفعهم إلى الانعزال عن الفضاء الواقعي والانخراط في عزلة اجتماعية تُضعف الصلة بالذات الإنسانية