رفقة الأستاذ علي الحشيشة (3 وأخيرة)…زهير بن حمد
كيف صار الأستاذ علي الحشيشة علما من أعلام الفن الموسيقي جهويا ووطنيا، مدرّسا ومتفقدا، باحثا ومؤلفا، ملحنا وعازفا ..؟ وكيف حاز من الجوائز والأوسمة ما حاز..؟ وكيف كرّم إسميا من المجمع العربي للموسيقى بقرار من مؤتمره الثالث عشر المنعقدفي دمشق سنة 1995..؟
لعلها نشأته طفلا ويافعا في رحاب المدينة العتيقة بصفاقس وتأثره بالموروث الموسيقي للطرق الصوفية فيها وهي تعقد مجالسها وتنشد نوباتها وترفع سناجقها وتطلق البخور.. ولو لم يكن سي علي الحشيشة شاهدا على ذلك وغيره من مجالس المالوف وحفلات الفرق الموسيقية وعروض الفرق المسرحية لما أمكن له أن يؤلف مؤلفه المرجعي ” السّماع عند الصّوفية والحياة الموسيقية بصفاقس في القرنين التاسع عشر والعشرين” الصادر سنة 2000″.
ثانيا نفاذه إلى الخزينة الغنائية الشرقية والتونسية بفضل امتلاك عائلته الحاكي في الخمسينات من القرن الماضي تلك الٱلة العجيبة قارئة الاسطوانات وتأثره بالأفلام الغنائية التي كانت تعرض في قاعة سنما الهلال وغيرها بباب البحر غير بعيد عن المنزل العائلي بنهح الدريبة شرقي المدينة العتيقة بصفاقس..
أمًا تعلّمه العزف على العود على يد الملحن الكبير وناس كريم فحكاية عجيبة روى لنا تفاصيلها عندما التقيناه صبيحة الخميس 4 ديسمبر 2025 بفضائه الموسيقي الثقافي..
حدثنا سي علي عن متفقد للتعليم الابتدائي بصفاقس بداية الاستقلال يدعى أحمد صفر وكان هذا المتفقد يشترط على المعلمين العزف على ٱلة موسيقية لمرافقة تلاميذهم وهم يعلمونهم الأغاني والأناشيد في زمن لم يكن ينظر فيه للموسيقى وٱلاتها كما ينظر إليها اليوم..
ولمّا كان الأخ الأكبر للأستاذ علي الحشيشة معلّما اضطر لشراء عود ولمّا لم يكن يرغب في أن يرى حاملا لتلك الٱلة الموسيقية كان أخوه الأصغر هو من يتكفل بإيصالها إلى مكتب الفنان وناس كريم خارج المدينة العتيقة الذي صار شأنه شأن مكتب الأستاذ علي شلغم مقصد رجال التربية المطاردين من متفقدهم أحمد صفر..
ولمّا كانت أذن سي علي سمّيعة رقيقة وكانت قدرته على الحفظ كبيرة، صار يسترق السمع ويتعمّد الإنفراد بالعود إلى أن سمعه الاستاذ وناس كريم ذات يوم فاكتشف موهبته وشجعه..
وبطبيعة الحال، لم يكن سي علي الحشيشة ليفوت الفرصة لدى انتقاله للدراسة في جامع الزيتونة المعمور بالعاصمة فالتحق على الفور بالمعهد الرشيدي والمعهد الوطني للموسيقى أين حاز ديبلوم الموسيقى العربية وقد كان قربه من أستاذه الدكتور صالح المهدي عاملا حاسما لتحويل وجهته بداية من عام 1961 من تدريس اللغة العربية إلى تدريس الموسيقى فتفتقت مواهبه ملحنا وعازفا وبرزت خصاله باحثا وكثرت منجزاته فاعلا في الحقلين الفني والثقافي..
في 10 أفريل القادم 2026، يدرك الأستاذ علي الحشيشة متعه الله بالصحة العقد التاسع من عمره وفي رصيده مسيرة تربوية وفنية واجتماعية استثنائية جنى منها محبة الخاصّة والعامّة واحترامهم..
قال ونحن نودعه ” صحتي لا باس والذاكرة لا باس لولا ركبتي.. ” وقد علمنا منه أنه كان رياضيا كذلك ولعب في أداني النادي التونسي ، النادي الرياضي الصّفاقسي لاحقا.
زهير بن حمد
فرع صفاقس لجمعية قدماء الإذاعة والتلفزة التونسية




