
شارع الحبيب بورقيبة، شارع الأدب والفن والصخب…. حكايات ليست كالحكايات….مصطفى عطيّة
18 أوت، 21:15
- يبدو شارع الحبيب بورقيبة، الصاخب صمتا، أو الصامت صخبا، كل مساء، مثخنا بهموم الناس، الذين يفر بعضهم إلى المقاهي والحانات والمطاعم، المتراصة على جانبيه، ليغرقوا في متاهات النشوة العارضة ومتعة النسيان، في حين يكتفي البعض الآخر بالتسكع المريح وسط الأشجار التي تضبط إيقاع الممر وأجندات العصافير، وقد هزتهم الأحلام المجنحة إلى حيث يتلاشى الواقع وتضمحل الحقيقة.
بعد صمت ثقيل، مشحون بٱنبهار خفي، يقول الصحافي اللبناني، مدثر الرافعي، القادم لتوه من باريس، في نقلة روتينية من مكتب جريدة “الثورة” العراقية بالعاصمة الفرنسية إلى مكتبها في تونس :”لم أكتشف تغييرا كبيرا، فهذا الشارع يشبه إلى حد ما شارع الشانزيليزيه الباريسي”، فيجيبه القاص والروائي العراقي، عبد الرحمان مجيد الربيعي، عاشق التردد على المدن اللبنانية: “قد يكون أقرب إلى شارع الحمراء في بيروت”.
يلتحق الفنان منصف الأزعر مهرولا، فيغير مجرى الحديث، ويزج بنا في دوامة مشاكساته اليومية مع سمير العيادي ومنير فلاح في دار الثقافة إبن خلدون، ومع محمد مصمولي ونوردين عزيزة في دار الثقافة إبن رشيق، مدعيا أنهم لم يفسحوا له المجال لتقديم مسرحيته الجديدة على ركحي الفضائين.
يحاول عبد الرحمان مجيد الربيعي إنتشالنا من سيل بكائيات منصف الأزعر فيحدثنا، بنرجسية إبداعية هادئة، عن روايته الجديدة “خطوط الطول، خطوط العرض”، مدعيا أننا أبطالها الحقيقيون وصانعو أحداثها ووقائعها.
يمر المسرحي المنصف السويسي رفقة رؤوف الخنيسي، الصحافي المنتدب بمقر الجامعة العربية بتونس، وقد ٱنسجما في جدال صاخب، تتخلله قهقهات عالية، مصحوبة بموجات من السعال القوي والمتقطع، فيلتفت المخرج السينيمائي عمار الخليفي وهو يردد بمكر حميد: “لا بد أنهما يتآمران” !
تتدعم المجموعة بٱلتحاق الشاعر الطلائعي الحبيب الزناد والرسام الحبيب بوعبانة والناقد أبو زيان السعدي، فندلف إلى شارع قرطاج، ونقتحم ضباب مقهى “الفلورونس” الكثيف وصخبها الذي لا يهدأ أبدا، فتشرأب نحونا الأعناق وتنزل الكؤوس، وترتسم التعبيرات المتباينة على الوجوه المتعبة، ويهرع نحونا بائعو اللوز الأخضر والحمص المطبوخ والبيض المسلوق، والكثير من أصحاب الجيوب المخرومة من الإفلاس وميزانيات الدفع المختلة دوما وأبدا، وهم الذين تعودوا على محاصرتنا بطلباتهم الملحة.
يجول الممثل عمر خلفة بنظره في كل أرجاء الحانة، ويحدق في أغلب الوجوه المتوثبة تطلعا وٱنبهارا، أو المستنفرة غضبا وٱستنكارا، ثم يدبر ساخطا وهو يردد بصوته الأجش ولغته العربية القحة: “إنه زمن الخراطيط”، فيسأله الممثل عبد اللطيف الحمروني: “لماذا لا تنقل مسرحية الخراطيط لأوجان اونسكو إلى اللغة العربية ونخرجها ونمثلها معا ؟”، وما ان هم بإجابته حتى ٱنتصب أمامهما الممثل راجح القفصي وهو يقترح نفسه مرشحا لدور “بيرنجيه” في المسرحية.
يبتسم عمر خلفة إبتسامة يشوبها غموض كثيف، يمرر يده المعروقة على لحيته الكثة، ثم يبسط كفيه ويرفع عينيه إلى السماء وهو يصرخ “يا رب …قني شر هؤلاء الأصدقاء الألداء” !