شهر فيفري 2024: احتجاجات عمالية تحركها مطالب اقتصادية !
الاحتجاجات الاجتماعية تحافظ على وتيرة الانحدار، وتتجه نحو الطابع الاقتصادي بشكل ملحوظ. وسجل شهر فيفري 160 تحركا، وهو رقم غير بعيد على شهر جانفي المنقضي الذي رصدنا فيه 168 نشاط احتجاجي.
ولم تتخلى ولاية قفصه عن مركز الصدارة في ترتيب أكثر الولايات التي تتواتر فيها التحركات الاحتجاجية، حيث احتلت المرتبة الأولى بإجمالي 38 تحرك تليها ولاية تونس العاصمة ب 37 تحرك ثم كل من صفاقس ونابل وجندوبة، أما باقي الاحتجاجات فقد توزعت بين مختلف الجهات بأرقام متفاوتة.
وشهد هذا الشهر المحافظة على الفاعلين التقليديين، حيث برز العمال في طليعة المحتجين للشهر الثاني على التوالي، رافعين عدة شعارات تنادي بتلبية بعض المطالب الاقتصادية، وتوزعت تحركاتهم على عديد الجهات والسبب واحد وهو “تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية”، سواء داخل المؤسسات العمومية أو بالقطاع الخاص. ويعكس تواصل الاحتجاجات العمالية اليوم في تونس أزمة السياسة التقليدية في التعاطي مع المطالب الاقتصادية، التي لا تزال ترتكز على أساليب غير مجدية في ضمان حقوق الفئة العمالية، كما يمثل هذا التواصل تحولا في طبيعة المطالب التي باتت مباشرة وفي أحيان كثيرة محلية، وتدور حول صرف الأجور المتأخرة والزيادة فيها والمنح وتطبيق الاتفاقيات.
ومثّلت شركة فسفاط قفصه أكثر الأماكن التي تواترت فيها الاحتجاجات، بسبب تواصل الاعتصام الذي يخوضه عمال هذه الشركة، كما كانت احتجاجات الشارع حاضرة ضمن مراتب متقدمة، في حين تراجعت وسائل الإعلام إلى المرتبة الرابعة بعد أن كانت تمثل الأرضية التي ضمت شكاوي الفاعلين/ات خلال الأشهر المنقضية.
وكعادتها استحوذت الاحتجاجات الجماعية على النصيب الأكبر في التحركات المرصودة، في حين تم تنظيم احتجاجين اثنين فقط بشكل فردي، وشهدت تحركات شهر فيفري حضور الجنسين في اغلب الاحتجاجات بنسبة 85 بالمئة، ونظم ما يقارب 20 بالمئة من التحركات بشكل تلقائي، في حين خضعت البقية إلى تنظيم مسبق.
وإستخدم المتظاهرون مجموعة واسعة من الأساليب الاحتجاجية، اتخذ القسم الأكبر منها أسلوب الوقفات الاحتجاجية ب 68 احتجاج من إجمالي 160، يليها الاعتصام الذي استخدم في 39 طريقة احتجاجية،كما حضر الإضراب ضمن المراتب الأولى وهو ما بعكس نزعة التصعيد في المطالبة بالحقوق. وتنوعت أسباب الاحتجاج من المساندة وضمان حقوق العمال وتسوية الوضعية المهنية إلى أخرى بيئية، مثل انقطاع الماء الصالح للشرب، وهو الإشكال الذي لا يزال يشكل إحدى الأزمات البيئية التي تعيش على وقعها البلاد التونسية، اعتبارا لفقدان الآلاف من السكان لهذا المورد رغم الإقرار الدستوري على ضرورة توفيره للجميع.
الأساليب الاحتجاجية امتدت أيضا إلى حالات إيذاء النفس، التي شهدت تصاعدا ملحوظا مقارنة بالأشهر الماضية ، حيث تم رصد 19 حالة انتحار ومحاولة انتحار اغلبها من الشباب، ونفذت داخل فضاء السكن، أدت اغلبها إلى الوفاة، وهي مؤشرات تدل على حالة اليأس المنتشرة ليكون الانتحار هو الطريق الوحيد أمام مرتكبيه الذين كانوا اغلبهم من الذكور.
أما مؤشرات العنف فقد شهدت هي الأخرى تزايدا في حالات الاعتداء الإجرامي التي أدت اغلبها إلى القتل، ما يعد بمثابة جرس الإنذار الذي يبلّغ عن خطورة تنامي هذه الظاهرة الذي استحوذ الشارع عل اغلب الحالات فيها، ومثلت الإناث النسبة الأكبر من المعتدين عليهم، بإجمالي 55 بالمئة. وتركزت ولاية أريانة في المرتبة الأولى لأكثر الولايات عنفا، كما مثل القتل والاعتداء والبراكاج من أكثر أنواع العنف تواترا في الشهر المنقضي.