صفاقس: معهد الزيتونة يحتضن ملتقى علميا حول فلاحة المستقبل
احتضن مقر معهد الزيتونة بصفاقس، الخميس، ندوة علمية حول فلاحة المستقبل والحلول الممكنة في ظل التغيرات المناخية وتفقير التربة وندرة المياه وانخرام التوازنات البيئية وظهور عدد من الأوبئة المستحدثة.
وتميّزت الندوة، التي اشترك في تنظيمها معهد الزيتونة ومخبر البحث «تنوع بيولوجي، بيوتكنولوجيا وبيولوجيا» التابع للمركز الخاص في البحث العلمي والمختص في البحث والتسويق للمنتوجات الفلاحية والغذائية، بجمعها بين الباحث والخبير والفلاح من خلال حضور مكثف لهذه الأطراف الرئيسية في عملية الإنتاج الفلاحي.
وتم التطرّق عبر سلسلة من المداخلات إلى عديد المشاكل التي يعاني منها القطاع الفلاحي والمرتبطة بالتغيرات المناخية، وشح المياه، والاحتباس الحراري، والاختلال البيئي، وتملّح التربة، وظهور أمراض جديدة تصيب الخضروات والأشجار المثمرة وغيرها.
وأكد الرئيس المدير العام لمخابر «تنوع بيولوجي، بيوتكنولوجيا وبيولوجيا»، الدكتور رابح بن عمر، على أهمية التركيز من الناحية العلمية على ثلاثة أصناف من البحوث وهي البحث في الفلاحة والصناعات الغذائية، والبحث في مجال البيوتكنولوجيا، والبحث في المجال الطبي والسريري، وهي المجالات الرئيسية التي تشتغل عليها مؤسسة مخابر «تنوع بيولوجي، بيوتكنولوجيا وبيولوجيا».
وأفاد أن المخبر يضمّ مجموعة هامة من الأطباء والباحثين في العلوم الأساسية (البيولوجيا النباتية والميكروبيولوجيا)، والمهندسين الفلاحيين، يبحث جميعهم عن إيجاد الصيغة المثلى التي تمكّن المستهلك من الاستهلاك الصحي للمنتوجات الغذائية السليمة من المكونات الكيميائية الضارة بالصحة والضامنة لمقروئية واسترسال كامل للمنتوج الفلاحي.
من جهته، اعتبر المدير العام لمعهد الزيتونة، البشير بن روينة، أن انعكاسات التغيرات المناخية على القطاع الفلاحي وبصفة خاصة في صفاقس صارت حقيقة واضحة في ظلّ ارتفاع معدلات درجات الحرارة بشكل لافت تجاوز حتى توقعات الدراسات العلمية الصادرة في الغرض، فضلا عن تغيّر طبيعة المناخ وبروز الفيضانات وعدم انتظام التساقطات.
وشدّد على ضرورة الاعتماد على نشاط غراسة الزياتين السقوية باعتبار تهرم الغراسات البعلية وعدم صمودها أمام التغيرات المناخية، مع التوجه إلى الأصناف المحلية القادرة على التأقلم مع هذه التغيرات بدل الاعتماد على الأصناف الدخيلة، وفق قوله.
ونبّه الخبير الفلاحي، فوزي الزياني، في مداخلة بعنوان «الفلاحة في مواجهة تحديات التغيرات المناخية»، من تراجع مساهمة الفلاحة في الناتج الداخلي الخام إلى 7 بالمائة بعد أن كانت 14 بالمائة في 2011، و26 بالمائة بعد الاستقلال، معتبرا أن هذا الانحدار هو انحدار نحو «محرقة» بأتم معنى الكلمة من الناحية الاقتصادية والسيادية لتونس وفق تعبيره.
وأشار الزياني إلى الأخطاء المتتالية في السياسة الفلاحية للدولة في مواجهة شح الموارد المائية، وتحديات التغيرات المناخية التي ليست بالجديدة ولكنها تفاقمت في السنوات الأخيرة، بحسب تقديره، فضلا عن التغيرات الجيوسياسية وتأثير الحروب في الغذاء المحلي والأوبئة.
ودعا إلى ضرورة تغيير المقاربة المعتمدة في إصلاح القطاع الفلاحي بالاعتماد على مختلف المتغيرات المتعلقة بالمياه والخارطة الفلاحية، وإنقاذ مختلف المنظومات الإنتاجية، مع «التحلي بالجرأة السياسية» اللازمة لوقف إنتاج عدد من الزراعات، والتركيز على الزراعات المتصلة بالأمن الغذائي، ولا سيما الحبوب التي تعرف فيها تونس عجزا متزايدا.
كما دعا إلى تثمين مكامن القوة في المنظومة الاقتصادية والطبيعية في تونس ومنها الفلاحة البيولوجية في عديد المجالات على غرار زيت الزيتون، وإلى مراجعة منظومة التمويل الذي صار مغلقا ومقفلا أمام صغار الفلاحين، وتثمين نتائج البحث العلمي خاصة في الانتقال الى نمط إنتاج فلاحي بيولوجي.
واعتبر الباحث ورئيس مخبر استدامة إنتاج الزياتين والأشجار المثمرة في المناطق الجافة وشبه الجافة بمعهد الزيتونة، كمال القرقوري، أن غراسة الزياتين تمثل اليوم حلّا ناجعا في مجابهة التغيرات المناخية التي تنعكس بشكل سلبي على القطاع الفلاحي في تونس، كما اعتبر أن الجانب الاجتماعي عنصر مهم في السياسة الفلاحية ومناعة المنظومة المعتمدة بالنظر إلى أهمية تحقيق كل عناصر الاستقرار التي تحتاجها منظومة الإنتاج والمتمثلة في الجوانب البيئية والطبيعية والاجتماعية.
وأكّد على ضرورة إيلاء الجانب الاجتماعي نفس الأهمية التي يقع إيلاؤها للجوانب العلمية والبيئية والمناخية باعتبار أن التغافل عنها أو إهمالها يؤدي إلى نقص الإنتاج والهجرة والتفقير، وفق تصوّره.
وات