طوبى للمتصوّفين في محراب العزلة… سامي النيفر

طوبى لمن كانت العزلة خياره في آخر الزمان… طوبى لمن ابتعد عن الصخب والهرج والمرج… طوبى لمن صفّى ذهنه وهذّب روحه ولم تفسده مخالطة عوامّ النّاس… طوبى لمن لم يضطرّ أن يكذب وينافق ويمثّل ويحسب ويقرأ ما بين السّطور ويتحايل ويتعامل مع النّاس الذين هم كالأمواج المتقلّبة العاتية عليك أن تسايرهم حتى لا تغرق…

طوبى لمن ابتعد عن القيل والقال واللّغو وسفاسف الأمور والغيبة والنّميمة والخداع والنّفاق والشّك والرّيبة والقلق والخوف والبحث عن إرضاء من لا يرضى أبدا.. طوبى لمن كان قليل الكلام عميق التّأمّل كثير الحكمة… فذلك ديدن العلماء والفلاسفة والأنبياء والصالحين.. قالها الشاعر الجميل الأصيل أبو القاسم الشّابّي : “ليتَ لي أن أعيش في هذه الدّنيا سعيدا بوحدتي وانفرادي أصرف العمر في الجبال وفي الغابات بين الصّنوبر الميّاد”..

طوبى لمن تجوّل في حديقة صغيرة غنّاء بين القطط والطيور والأشجار والزّهور وقلبه راضٍ مسرور.. طوبى لمن شاهد فلما ثقافيا أو لعبة فكريّة.. طوبى لمن ملأ فكره بتلاوة آيات من الذّكر الحكيم أو صفحات من كتاب نافع أو موسيقى من طرب رائع.. طوبى لمن وعى فأوعى ولاحظ فكتب… طوبى لمن عاش مع الجمال والفنّ والهدوء والسّكينة..

طوبى لمن ابتعد عن الجري واللّهث وراء الحياة المادّيّة العصريّة.. طوبى لمن ابتعد عن مظاهرها البرّاقة الخدّاعة التي لا تشبع القلوب المفتونة الملتاعة.. طوبى لمن ابتعد عن “تطييح القدر” وصان قدره وحفظ هيبتَه وابتعد عمّن يسخر ويُخسر ويضيّع الأوقات ويحرق الأعصاب ويمصّ الدّماء ويستغلّ الطّيبة ويتمادى في تطاوله سواء كان طفلا صغيرا أو شيخا كبيرا… طوبى لمن لم يَظلم ولم يُظلم وعاش قنوعا لا يحتاج لأحد ولا يشوّش ذهنه أحد ولا يجرح مشاعره أحد ولا يلوّث روحه النّقيّة أحد..

طوبى لمن عاش على الفطرة السّليمة دينه الأخلاق القويمة وديدنه المبادئ السّليمة.. وفي صحيح مسلم : بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء” (في آخر الزّمن)…

طوبى لمن مسك عقله وصحّته النفسية والجسدية وصان ماله وقدره وحفظ روحه وسمعته وعاش راضيا هادئا قانعا مهيبا منشغلا بنفسه عن غيره لا يُؤذي ولا يُؤْذَى…

سامي النيفر