عودة الى كتاب ” الحكم بطريقة اخرى “…الصادق شعبان

عودة الى كتاب ” الحكم بطريقة اخرى “…الصادق شعبان

24 ديسمبر، 21:15

وأنا بصدد كتابة ” الحكم بطريقة أخرى”، في منتصف الطريق ، عثرت على تقرير بالغ الأهمية حول القيادة الحسنة …

وقد ازددت اقتناعا، واطمئنانا فكريًا، عندما وجدت هذا التقرير يؤكّد بالضبط ما شرعت في بيانه: أن سلّم الأولويات ليس واحدًا بين جميع الدول، وأن مؤشرات الحوكمة الحسنة لا يمكن أن تكون متطابقة، لأنها تختلف باختلاف مراحل النمو والخيارات السيادية والتحديات الوجودية لكل دولة…

هذا التقرير يصدر عن Chandler Institute of Governance في سنغافورة منذ بضع سنوات، ويقترح من خلاله مؤشرا تركيبيا خاصا هو Chandler Good Governance Index، يختلف جذريا عمّا ألفناه في مؤسسات الترتيب الدولية المعروفة، مثل البنك الدولي أو منتدى دافوس…

فهو لا يقارب الحوكمة باعتبارها وصفة جاهزة، بل باعتبارها عملية قيادية مرتبطة بالسياق والمرحلة…

وسنغافورة، في هذا السياق، تكاد تكون الدولة الوحيدة التي حكمت فعليا عبر لوحة قيادة وطنية واضحة، وحقّقت من خلالها نجاحات متراكمة …

لكن خيارات سنغافورة في القيادة لم تكن تلك التي تتبادر عادة إلى أذهان كثير من متابعي أدبيات الحوكمة التقليدية…

أولى هذه الخيارات أن الأب المؤسس لي كوان يو حكم البلاد بقبضة قوية من عام 1959 إلى 1990 بصفته رئيسا للحكومة، ثم واصل لعب دور المستشار المركزي لمن خلفه حتى سنة 2011…وكان الحزب الحاكم مهيمنا على الحياة السياسية، وهو ما وفّر قدرا عاليا من الاستقرار، ومكّن الدولة من استقطاب أفضل الكفاءات وتثبيت مسارها الاستراتيجي.

أما الخيار الثاني وهو الأهم فتمثّل في نزاهة القائد نفسه. لقد كان لي كوان يو قائدا نظيف اليد، وهذه النزاهة الشخصية هي التي مكّنته من التطبيق الصارم للقانون، وتحقيق العدل بين المواطنين، وخوض معركة حقيقية وناجحة ضد الفساد، ليس داخل أجهزة الدولة فحسب، بل داخل المجتمع نفسه…

أما الخيار الثالث، فكان إعطاء التعليم الأولوية الأولى، وبناء مناخ جاذب للاستثمار يقوم على كفاءة الإدارة، واستقرار التشريعات، واحترام قواعد الاقتصاد الحر…

لم تكن أولويات سنغافورة في بداياتها هي أولويات الديمقراطيات الغربية… ورغم الانتقادات، شقّت طريقها بثبات نحو المراتب العليا، وكلما تطورت أعادت ترتيب أولوياتها بصورة تدريجية ومدروسة، وراكمت نجاحاتها بشكل لافت…

إن باقة المؤشرات التي تشكّل لوحة القيادة تكاد تكون واحدة في جوهرها لأن هناك توازنات لا غنى عنها لبقاء أي نظام…
لكن ترتيب هذه المؤشرات، وأولوية كل منها، يختلف باختلاف الخيارات السيادية ومتطلبات كل مرحلة من مراحل بناء الدولة…

هذا في جوهره هو موضوع الكتاب… و اترك لكم تقييم مسار تونس في ضوء هذه الملاحظات…

مواضيع ذات صلة