في ظل تواصل حرب الإبادة لغزة، هل تقود امريكا  المنطقة إلى ” “فوضى خلاقة ” جديدة ؟! ياسين فرحاتي

في ظل تواصل حرب الإبادة لغزة، هل تقود امريكا المنطقة إلى ” “فوضى خلاقة ” جديدة ؟! ياسين فرحاتي

25 أكتوبر، 21:00

أثبتت عقود الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين و خصوصا قطاع غزة بفضل النضالات و التضحيات الجسام لأبنائها أرض قلعة للجهاد ترفض أن تطأ أرضها المباركة أقدام المحتل الغاصب و ليس أدل على ذلك من دحر قوات شارون في العام 2000. و هاهي منذ عملية ” طوفان الأقصى ” و إلى حد كتابة هذه المقالة و هي تسطر أمجد البطولات و تمرغ أنوف العدو في التراب و تحلق به الخيبات رغم عدم تكافؤ موازين القوى بين المقاومة الفلسطينية في القطاع و جيش الكيان الظالم المدرج بأعتى الأسلحة و المعدات الأمريكية و الغربية. رفض أهالي غزة و فلسطين لربقة الاستعمار ينبني على عقيدة قتالية و إيمان عميق بالقضية و بقدسية الوطن ممثلا في ضرورة الدفاع عن حرمة المسجد الأقصى و واجب استرجاعه من المحتل. و في هذا الصدد يقول المفكر العربي الجزائري مالك بن نبي في أطروحته عن الاستعمار أن ” العيب يكمن فينا لأننا نقبل و نرضى بالمحتل بدل أن نكرس كل جهودنا لمقاومة و دحره. بمعنى أننا أحيانا نستسلم له و نحمله كل تخلفنا بدل أن نثور ضده و هو إبن ثورة المليون و نصف المليون شهيد”. لكن هذا الأمر فيه لوم لنا و تحفيز لنا للدفاع عن حقوقنا المغتصبة و أرى أن غزة تأبى أن تقع تحت سيطرة مطلقة للمحتل و ما عملية ” طوفان الأقصى ” إلا خير مثال على ذلك و تقيم الحجة و البرهان و صدق النية و قوة الإرادة و العزيمة. فرغم حجم القتل و الدمار لم تضعف قوة المقاومة و ما يزال الشعب الفلسطيني له إيمان قوي بالفعل التحرري و يرفض التهجير و هو باق في غزة و بلده إلى أبد الآبدين لأنه على حق و عدوه على باطل و الحق يعلو و لا يعلى عليه.
و في علاقة بالتحركات على أرض المعركة و بالحركات السياسية و الديبلوماسية لمختلف الأطراف الفاعلة نتلمس إمكانية حدوث تطورات خطيرة مع مرور الوقت و احترام المعارك، حيث قد تشهد منطقة الشرق الأوسط اتساع رقعة الحرب لتشمل دخول حلفاء لحركة حماس و الجهاد الإسلامي و باقي الفصائل الفلسطينية في صورة عدم وقف الحرب على غزة و هو ما حذر منه وزير الخارجية الإيراني محمد اللهيان الذي حذر كل من واشنطن و تل أبيب فالأولى تأجج الحرب كمن يصب الزيت على النار و هي من تتحكم في موعد دخول القوات الإسرائيلية في الحرب البرية من عدمه. و حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين فإنه لا فرصة إطلاقا للتحاور مع حماس بل يجب إعادتها و مسحها من الخارطة الجغراسياسية و هو أمر يبدو صعب المنال و ما كمين كتائب القسام يوم الأحد لجنود إسرائيليين في خان يونس أودى بحياة جندي و جرح ثلاثة و فرار البقية إلا إثبات عن مدى جهوزية المقاومة و خصوصا حماس لكل طارىء .
ثمة من الملاحظين و الخبراء من يتحدث عن حرب إقليمية شاملة و هو أمر لا ترغب فيه لا واشنطن و لا حليفتها أيضا و لكن ماذا لو وقعت و الأصابع على الزناد و أقصد بذلك الحرب البرية فحسب الله ووالحوثيون و الحشد الشعب و فيلق القدس كلهم يؤكدون أنهم سيقفون إلى جانب المقاومة مهما كلف الأمر و كان الثمن و رغم تواجد القوات الأمريكية الروسية في البحر الأبيض المتوسط. المنطقة مرشحة للدخول في فوضى عارمة و هنا أستعيد مصطلح ” الفوضى الخلاقة ” الذي أضرم النار في أفغانستان ثم في العراق و مشروع الشرق أوسط الجديد و المغامرات المجنونة لجورج بوش الإبن و للمحافظين الجديد.
مرجعنا في دراسة أبعاد تلك النظرية هو كتاب للمؤلف رمزي المنياوي بعنوان ” الفوضى الخلاقة، الربيع العربي بين الثورة و الفوضى ؟! السيناريو الأمريكي لتفتيت الشرق أوسط و النظرية الصهيونية التي تبنتها أمريكا لشرذمته !! “.

علميا تندرج دراسة ” نظرية الفوضى ” في إطار دراسة المنظومات الديناميكية غير الخطية مطبقة على العلوم الإجتماعية و الإنسانية . و في منطق و لغة الحروب و النازعات المسلحة و حالة اللااستقرار ، يستعمل مصطلح الأنتروبيا أو الطاقة المهدورة.
يقول الكاتب أن نظرية الفوضى الخلاقة تتأسس على ثنائية التفكير و التركيب، فذلك يعني أن الفكر الاستراتيجي الأمريكي بصيغته الراهنة لم يعد لديه اليقين إلا بعالم تكون الفوضى فيه سبيلا لإعادة تشكيله وفق مهمة أمريكا في بناء العالم الجديد.
و قد كان تعبير ” الفوضى الخلاقة ” الذي صمم في معهد ” أمريكان أنتربرايز ” الذي يعتبر قلعة المحافظين الجدد، و المهتم بصياغة مشروعات بوش السياسية للشرق الأوسط، يلخص إستراتيجية كاملة أعدت للمنطقة العربية، تهدف إلى إجراء ” حملة طويلة من الهندسة الإجتماعية ” تفرض بالقوة. و حسب مايكل ليدن، العضو البارز في المعهد فإن ” التدمير البناء هو صفتنا المركزية “، و بالتالي فإن ” الوقت قد حان لكي تصدر الثورة الاجتماعية “، من أجل إعادة صياغة المنطقة العربية عبر تغيير ليس النظم فقط، بل الجغرافيا السياسية كذلك، انطلاقا من رؤية خاصة تقود إلى ” تصميم جديد لبناء مختلف “. نفهم من خلال ” نظرية الدومينو ” التي تعني تدحرج النظم واحد بعد الآخر، إصرار و تصميم أمريكا و إسرائيل و الغرب أيضا القضاء على حركة حماس و من معها ليأتي الدور في ما بعد الدور على حزب الله في لبنان و الحوثيين في اليمن و الحشد الشعبي في العراق حتى يتسنى الاستفراد بإيران كنظام ممانع و دولة مطرقة من وجهة النظر الأمريكية.

يقول الفيلسوف الروسي ألكسندر بتاريخ رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة موسكو الحكومية في مؤلفه ” الإغواء بالعاصمة ” : إنه من المقرر استخدام توصيات الداروينية الإجتماعية الاقتصادية على النطاق العالمي فعند الاستخدام الموسع ل” صيغة مدرسة شيكاغو ” تظهر المؤسسات أو الفئات الإجتماعية المنفصل غير القادرة على التكيف ( شعوب غير قادرة على التكيف لا ينبغي منحها ” قروض التنمية ” كي لا تغرق كوكب-الأرض الضيق بمادة بشرية سيئة النوعية . بذلك تغدو الداروينية الإجتماعية الاقتصادية ” عنصرية عادية ” ).
إن الإدارة الأمريكية منذ سنة 2001، الذي يتوافق مع الحرب على أفغانستان ، إستغلت أجواء ما سمته ” الحرب على الإرهاب ” لابتواز العديد من الدولةالعربية لإحبارها على تقديم التنازلات التي تتلاءم مع السياسات الأمريكية في المنطقة، و هي تسعى جاهدة من خلال هذا العدوان الذي يلي عملية ” طوفان الأقصى ” تصفية القضية الفلسطينية و الحقوق العربية بشكل عام.
هذا ما فعله الرئيس الأمريكي بالعالم بعد أن قرأ كتاب ” قضية الديمقراطية ” للمنشق الروسي و الوزير السابق في حكومة شارون المكلف بالشتات و الذي انسحب من الحكومة بسبب الانسحاب من غزة.
في المسألة الفلسطينية يقول شارنسكي : ” الديمقراطية هي التي تحل قضية فلسطين “. و المعنى، في ذلك أن الكيان الصهيوني الذي يتباهى بديمقراطية مزيفة و مغشوشة و من أجل الوصول إلى حل يتوجب أن يصل الفلسطينيون إلى الديمقراطية من أجل حل قضيتهم !!، فهل الشعب الفلسطيني الذي يقاوم المحتل الاستيطاني منذ،أكثر من سبعين عاما يحتاج إلى ديمقراطية غربية لكي يحل قضيته للمشروعة ؟!رغم أنني أقول و هذا رأيي الشخصي يستحق رئيسا أفضل من السيد محمود عباس أبو مازن . فيا لبؤس منطق الديمقراطية الأمريكية الساقطة في حضيض الاستعباد و الاحتلال و العدوان!.
عند بداية الألفية الجديدة، كانت الفوضى هي السيناريو الوحيد الذي ترتب له الإدارة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط كي تنعم بالنفط دفاقا، و كي تنعم الربيبة الصغرى ( إسرائيل) بالطمأنينة و الراحة و لينشغل كل بلد بنفسه و مشاكله التي تنتهي إلا بدول أخرى جديدة منبتة من الدول الحالية.
لقد ذهب المسؤول السابق في البنتاغون ” مايكل لعندي ” إلى تسويه مذهب القوة اللامتناهية، حتى لو أدى الأمر بالعلاقات المتحدة إلى أن تقوم كل عشر سنوات باختيار بلد صغير و تدمره و ذلك لغاية وحيدة فقط هي أن تظهر للجميع أنها جادة في أحوالها و هي ما ترتيبه إسرائيل بأسلحة و أدوات و تمويل أمريكي بحت يوميا في غزة حيث يستشهد ما بين 400 و 500 شخص من أطفال و نساء.
و ينطلق ليدين من نظرية أن ” الاستقرار مهمة لا تستحق الجهد الأمريكي ” ليحدد بالتالي ” المهمة التاريخية ” الحقيقية لأمريكا فيقول ” التدمير الخلاق هو إسمنا الثاني في الداخل كما في الخارج. فنحن نمزق يوميا الأنماط القديمة في الأعمال و العلوم، كما في الآداب و العمارة و السينما و السياسة و القانون . لقد كره أعداؤنا دائما هذه الطاقة المتدفقة و الخلاقة التي طالما هددت تقاليدهم و أشعرتهم بالخجل لعدم قدرتهم على التقدم.. علينا تدبيرهم كي نسير قدما بمهمتنا التاريخية “. يقول المؤلف المنياوي في معرض حديثه عن محتوى و فحوى السياسة و الايديولوجيا و العقيدة الأمريكية الإمبريالية أنها ميتافيزيقا مبنية على الحرب من أجل الحرب، و ذلك بسبب السعي الأمريكي إلى الهيمنة المطلقة على العالم الذي دخل في سيرورة غير متناهية من عدم الاستقرار و من تراكم الأزمات أضف إلى ذلك قضية تغير المناخ و تأثيراته السلبية و المتسبب الرئيسي فيه هو الولايات المتحدة فهي سبب البلاء و المحن في العالم بأسره إنها إمبراطورية تخلق الأزمات و لكن لا تحلها.
و استنادا إلى مقولة الفيلسوف الأنجليزي توماس هوبس
” الإنسان ذئب لأخيه الإنسان “، يحق لنا إن نتسائلهل أن إنسان القرن الحادي و العشرين هو ” إنسان هوبزي ” أي مغلوب بذئبية ” غير مسبوقة و هو ما نراه جليا و واضحا لدى الالمجتمع الإسرائيلي بمختلف مكوناته.
إن الفكر الميكيافللي بما فيه من خداع و غش و خسارة مبدأه ” الغاية تبرر الوسيلة ” هو جوهر السياسة اليوم و حجر الأساس لنظرية ” الفوضى الخلاقة ” . حسب باير و الشارع العربي الآن يغلي كالمرجل، فإن منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية مصيرية للولايات المتحدة، و تخلي واشنطن عن الشرق الأوسط يعني تخليها عن كونها قوة عظمى. و لكن يجب الإقرار أن الولايات المتحدة رغم غطرستها في غزة بفضل دعم إسرائيل تجد من يقف لها الند للند مثل الصين و روسيا متحدين و مجموعة البريكس اقتصاديا و لا بد و أن نرى يوما ما أمريكا و قد فقدت مكانتها العالمية بسبب غبائها في دعم الاستبداد و الظلم الصهيوني على أرض فلسطين على شعب أعزل.
و يردف باير قائلا في أحد صفحات كتاب له : ” إن مجرد التلويح بشن حرب ضد إيران هو موقف خاطيء.أما شن الحرب فعلا ضد طهران ف”يمثل كارثة ستغير وجه العالم خلال شهور قليلة ” .
من الواضح أن ما ينبغي على أمريكا أن تفعله لكي تحقق رسالتها إلى العالم، هو النأي بنفسها عن البراءة،أن تمضي في المكر و الخداع بقانون الغاب.
يلقي الدكتور منير العكش الضوء على المعنى الإسرائيلي للنشوء الأمريكي. يبين أن أمريكا ليست إلا الفهم التطبيقي لفكرة إسرائيل التاريخية. لقد ظنوا أنفسهم، بل سموا أنفسهم ” إسرائيليين ” و ” عبرانيين” و ” يهودي “، و أطلقوا على العالم الجديد إسم ” أرض كنعان “، إسرائيل الجديدة، و استعاروا كل المبررات الأخلاقي (
لإبادة الهنود الكنعانيين ) و اجتياح بلادهم من مخيلات العبرانيين التاريخية. ذلك أن فكرة إسرائيل التاريخية تقوم على فكرة أمريكا و هي ” استبدال شعب بشعب و ثقافة بثقافة ” عبر الاجتياح المسلح و بمبررات غير طبيعية.

ياسين فرحاتي- كاتب من تونس.

مواضيع ذات صلة