كورونا ….لماذا إيطاليا؟

كورونا ….لماذا إيطاليا؟

2 افريل، 17:30

لا يخفى خافٍ عن مشاهد متمكّن كثير الاطّلاع عن المجريات العالميّة الأخيرة في هذه الآونة، فقد بات يُدرك أنّ إيطاليا ضحيّة أبرز محصّلة خسائر على كافة الأصعدة، جرّاء جائحة فيروس كورونا المستجدّ في العالم، بالنّظر إلى أنّها أولى الدّول الأوروبية التي وصلها الوباء، ليتفشّى من شمالها حتّى جنوبها، ثم ليسري بسرعته الجنونيّة في كافة أقطار الإقليم بأكمله، بنسق رهيب يوميّا بإحصائياته وأرقامه، ليرهق المال والعباد والبلاد.

وتجدر الإشارة هاهنا، أنّ عدد الوفيات الجمليّ بإيطاليا في غضون السّاعات الأخيرة قدوصل إلى ما يزيد عن12428 حالة وفاة، وأنّ عدد المصابين في تصاعد حيني بحوالي 101739 حالة، حسب ما صرّحت به وزارة الصّحة الإيطاليّة.

لماذا إيطاليا؟ سؤال حيّر وشغل بال الكثيرين خلال هذه الفترة، الذين يزعمون أنّ البلد المتقدّم نادرا ما يسقط أو ينهك بهكذاأرقام مفزعة، لاسيّما وأنّه كثيرا ما يحترم الأرواح الإنسانيّة ويقدّسها، فما بالك بتعزية العالم لإيطاليا بقدر الجنائز اليوميّة المقامة، والفقدان الرّهيب لعدد مهمّ من السكّان، علما وأنّإيطاليا لم تشهد هكذا خسائر منذ نهايات الحرب العالميّة الثّانية عصرئذ.

إنّ كارثة الكورونا في زمننا هذا، هي حصيلة عدّة أسباب مختلفة طالت إيطاليا أوّلا، فإسبانيا ثانيا، ثمّ بقيّة خلايا الجسم الأوروبيّ، لتصل حتّى الولايات المتّحدة الأمريكيّة. وهذه الأسباب يمكن حصرها في ما يلي:

– أوّل الأسباب، يرجع إلى ضعف الجهاز الطبيّ لإيطاليا مقارنة بنظيراتها كألمانيا أو بريطانيا، فقد أوضحت الإحصائيّات الأخيرة ضعف مستوى التّجهيزات الطّبيّة وضآلة توفير المعدّات الصّحيّة، وتقلّص عدد الأسِرّة المجهّزَة بالنّظر إلى عدد السكّان الإجماليّ. وهذا ما جعل إيطاليا تستنجد بالمساعدات والتّدخّلات الخارجيّة خاصّة من دولة الصّين الشّعبيّة وكوبا وغيرها للتّقليص من حدّة خطورة هذا الوباء واحتوائه.

– ثاني الأسباب، يعود إلى معضلةإيطاليا الدّيمغرافيّة مقارنة بالدّول المجاورة لها، حيث يشير الهرم السّكانيّإلى هيمنة فئة الشّيوخ بأكثر من ربع عدد السّكان، وللأسف، فقد أفادت إحصائيّة الوفيات أنّأكثر من 65% من المتوفين هم من فئة الشّيوخ نظرا لهشاشة أجسامهم وضعف مناعتهم.

– ثالث الأسباب، قائم على ثقافة الشّعب الإيطالي النّازعة إلى الميل التلقائيّعند الأفراد للالتقاء، سواء في البيت الواحد أو التّجمهر في الأماكن العموميّة (المقاهي، المطاعم، السّاحات…).

– رابع الأسباب، يخصّ سياسة الحكومة الإيطاليّة التي أظهرت في بدايات الانتشار الفعليّالعدوائيّ للوباء استهانتها بالوضع الصّحيّ العالميّ وبعدم اكتراثها لفكرة العزل والتّباعد خاصّة في إعلامها المتأخّر وتسييرها الأوّليّ بالإجراءات البسيطة والهشّة كالذي حصل في الصّين وإيران.

وعليه نقول، إنّ المتفحّص لمنحى السّياسات العالميّة، ينتهي به النّظر إلى فشل السّياسة اللّيبراليّة أو “النّيوليبراليّة” القائمة على مكانة الاقتصاد الرّأس الماليّ العالميّ للدّولة والتّأكيد على ضرورة الاستثمار والاحتكار لأسواق العالم.ونتلمّس ذلك في خوف إيطاليا في مستهلّ الأزمة من غلق الحدود البريّة والجويّة، ومن التّقليص من المبادلات الخارجيّة، وكذلك من كساد السّوق وتعطّل المصالح، وهو ما انعكس حتّى على ثقافة الشّعب الحرّ اللاّمسؤول التي استنكرت إجراءات الحزم والالتزام والانضباط، عكس الشّيوعيّة في الصّين الشّعبيّة النّاجحة حتّى الآن في احتواء الفيروس ومعالجة المصابين واستعادة تدريجيّة للاقتصاد والمعاملات. وهي سياسة صارمة تعترف بالحفاظ على أرواح شعبها حتّى وإن اقتضى ذلك اعتماد القوّة والرّدع والعنف المشروع كما شاهدناه في لقطات واضحة للعيان،إلى جانب مبادئ الوعي والالتزام والمسؤوليّة الجماعيّة للمواطن الصّينيّ.

بينما تشهد إيطاليا كمعظم الدّول ” شبه إبادة سكانيّة ” فضيعة،إضافة إلى صيحة فزع نتيجة الوضع الصّحيّ الرّاهن داخل بلد مغلق، وسوق محدود الموارد، مع قطع للعلاقات وتجميد للمصالح والشّركات مع الدوّل المنكبَّة على تسيير شؤونها الداخليّة.

هي مخلّفات عميقة إذن ستجبر إيطاليا على التّفكير الجديّ لانتهاج سياسات مغايرة واستراتيجيّات محكمة وخطط ذكيّة على المدى القريب والبعيد في متعدّد مجالات الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والثّقافيّة والإنسانيّة …

وعلى أنقاض هذا الخراب أو الدّمار الجديد، فقد تعوّدت إيطاليا على مرّ تاريخها على العودة بقوّة بعد النّكسات والمضيّ قدما بعد الخيبات، وتحويل الضّعف قوّة بالتّحرّك السّريع واستنهاض الهمم وتقديس العمل والتّسلّح بالعلم وبرقيّ ثقافة شعب النّسيان والبذل والعطاء والتّضحية سبيلا لتحقيق بنائها الحضاريّ المتين لتبرهن للعالم مرّة أخرى قدرتها على التّخطّي والتّطوّر، وتلك سمة البلد المتقدّم.

الكاتب عاطف بن عبد القادر 

مواضيع ذات صلة