للسنة الثانية على التوالي : غسالة النوادر في غياب فمتى يصبح الاحتباس الحراري موضوعا مهمّا في تونس ؟

للسنة الثانية على التوالي : غسالة النوادر في غياب فمتى يصبح الاحتباس الحراري موضوعا مهمّا في تونس ؟

20 سبتمبر، 18:30

إنّه لمن أهمّ مواضيع الساعة.. وإنّ الوعي به لناقص ولكنه موجود عند البعض ممّن أصبح يذكر أيّام زمان بحنين ومن بين ذلك ذكرياته مع الأمطار ! أيام كنّا نطبخ العصيدة والكسكسي والفطائر ونتصدّق.. أيام كنا نجمع الحلزون أو ننظّف السطح استعدادا لملء الماجل ونستبشر بالغيث النافع ونزرع بعض الخضر ونشمّ رائحة المطر حتى قبل أن تأتينا.. نخاف الرعد أحيانا ولكن نطرب لصوت الماء يتكتك على الشباك كما يقول كاظم الساهر..

أيام كنّا ندعو فيها عند المطر ونتبلّل بمائه ونشاهد قوس قزح ونلعب “بالفلايك” الورقية.. كنا نفرح برائحة التراب ونستدعي الميّالي لحرث الأرض.. أيام تكاد تصبح من الماضي وأحداثا تاريخية نرويها للأجيال القادمة في تونس كلها ولكن في صفاقس بالذات يتعقّد الوضع أكثر.. في موقع الويكيبيديا تصنّف المنطقة صحراوية إذا كانت تساقطاتها السنوية أقل من 50 مم ونحن تحت هذا المعدّل خاصة في السنتين الأخيرتين حيث غابت “غسّالة النّوادر” في سابقة تاريخية على الأقل في حياة الأجيال المعاصرة وهي التي كنّا نتأفّف منها ونجزع فإذا بها تهجرنا..

وهي التي كانت موعدا قارّا بالإضافة إلى أمطار مارس الذهبية.. أصبحت 10 مم وسط السنة حدثا بارزا في مدينتنا التي غمرتها المادّيّة والحياة العصرية واللامبالاة والأنانية.. هل سيصبح نزول الغيث النافع حدثا غير عادي ؟ أم هل سنذهب في رحلات إلى الشمال لمشاهدة المطر تماما كما كنّا نفعل في عين دراهم أو غيرها للتمتع برؤية الثلج ؟ هل ستصبح المطرية والبطانية والتراب المبلّل مشهدا من الماضي ؟ هل ستصبح اليومية الفلاحية مصدر سخرية رغم دقّتها في ما مضى ؟ هل ستصبح الليالي البيض والليالي السود والعزارة وقرّة العنز وغيرها من الماضي ؟

ناقوس الخطر دقّ والموضوع أصبح مؤثرا ليس من الناحية الرومنطيقية التي ليس لها مكان في هذا الزمن ولكن من الناحية العملية حيث يمسّ الأمن الغذائي بموت بعض الأشجار أو نقص مردوديّتها وقلّة الزراعات ونفاد مخزون السدود والمواجل.. حتى النشرة الجوّيّة أصابها الاضطراب رغم معطياتها العلمية وكأنّ نقابة الأمطار في إضراب في صفاقس حيث تتجمّع السحب الرمادية الداكنة حول المدينة ثم تذوب بشكل قد يفسّر بالتلوث الصناعي ولكن خاصة بالتلوث الأخلاقي لأنّ الطباع تبدّلت والقلوب أصبحت جافة كاسحة كما الطقس..

حتى صلاة الاستسقاء شكّكوا فيها وأبطلوها منذ السنة الماضية فقد دعوا مرة واحدة وكفى ! ويبدو أن الفلاحة والمطر ليست من أولوياتنا في حياتنا العصرية لأننا غيّرنا عاداتنا فلا ماجل ولا مطاير ولا هم يحزنون.. ليتني كنتُ جمعية بيئية أو أكاديميا جامعيا أو رجلا ثريّا أو شيخا دينيا أو مسؤولا سياسيا أو شخصية عامّة إذًا لكان من أكبر همومي هذا الموضوع عوض التّصدّر لالتقاط الصور وتسجيل الحضور.. ليس لي إلا أن أغرس الأشجار في حديقتي الصغيرة وأدرس الموضوع بقدر جهدي وأحسّس الناس قدر المستطاع عسى أن يتغيّر الواقع يوما وإنّني لعلى ثقة تامّة أنّ التونسي عامة والصفاقسي خاصة بدأ يحسّ بخطورة الموضوع ولكن ليس بالدرجة الكافية.. فمتى يصبح هذا الموضوع شغلنا الشاغل ؟ 

 سامي النيفر

مواضيع ذات صلة