“ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا”.. المعادلة المفقودة في مجتمعنا

“ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا”.. المعادلة المفقودة في مجتمعنا

26 مارس، 18:00

لعلّ من أعظم الأحاديث الجامعة لنبيّ الرّحمة والخير محمّد صلّى اللّه عليه وعلى آله وصحبه وسلّم هو قول الرسول الكريم : “لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ” وهو من الأحاديث الجامعة التي تبيّن لنا ميثاق التعامل السليم في المجتمع التّقيّ المتماسك الذي هو كالبنيان الواحد يشدّ بعضه بعضا ولكن هيهات هيهات في زمن الآهات.. فالصغير أصبح متطاولا ووقحا ولا يلتزم بالآداب وخاصة أطفال العشرية الأخيرة وذلك بتحريض من بعض الأولياء والأقرباء وقد عمّ الدّلال والتواكل حتى لم يعد للأستاذ أو للكبير بصفة عامة هيبة ولا اعتبار في نظرهم فقد يهدّده ولي أو قريب للطفل ويتهجّم عليه أمام الصغير الذي لن يقدّره بعد ذلك ولم يعد يخاف من العقاب أو يستمع لنصيحة المربّي أو الكبير.. هذا كله خور حاصل بشدة ولا مجال لنكرانه أبدا ولكن في الطرف المقابل هناك خور قد يكون أفظع وأشنع من الأوّل فالكبير أيضا قد يحتقر الصغير ويستهزئ به ويحطّ من قدره ويفتّت من عزيمته حتى يدمّر شخصيته أو يكاد ولم يكن بإمكانه فعل شيء من ذلك لولا سكوت المجتمع عليه بدعوى أنه “الكبير” والكبير الله وهو سبحانه الوحيد الذي لا يخطئ.. ولكن من سيصدّق طفلا أو شابّا جار عليه أبوه أو قريبه أو شيخ الجامع أو أحد المسؤولين أو غير ذلك.. لأنه الأب ولأنه الإمام عليه بالسمع والطاعة فقد يقول له في لهجة احتقار : “من أنتَ” و”هل العصفور يزقّق بوه”.. لا يهم إن أهانه أو عرقله أو شوّه سمعته أو نعته بالكافر لأنه لا يصلّي على مذهبه ولا يجاهد في سوريا أو يسمع الموسيقى الراقية أو حتى يغسل رجله اليسرى قبل اليمنى في الوضوء وقد حصل ذلك مع كثير من اليافعين الذين لا يجدون إلا الفظاظة والكبرياء والعناد من هؤلاء حتى إن أحدهم أخبرنا أن أباه يجب أن يجاريه حتى لو قال عن القلم الأزرق إنه أحمر !  والحاصل من كل هذا : ألا يوجد حل وسط بين وقاحة الصغار وفظاظة الكبار ؟ ألا توجد طريقة مثلى للتعامل مفادها حب اليافع والنصح له ورحمته والإحسان إليه وتعليمه وملاطفته وعدم التحكم في الرقاب والتسلط المادي والمعنوي عليه واعتباره شيئا صغيرا نلهو به كما نشاء ونحن فقط المطاعون ومن جهة أخرى عدم توقّح الصغير واحترام الكبير والاستفادة من تجربته والقيام بواجبه ولكنها مفاهيم مبهمة أمام مجتمع متفكّك لا ينصر الصغير حين يتسلّط عليه الكبير ولا الكبير حين يتجاوز معه الصغير حدوده بل قد ينصر هذا الانفلات الأخلاقي الرهيب بدعوى أنه صغير ويجب تدليله أو أن الكبير دائما على صواب والصغير عليه أن يسمع كل كلامه.
سامي النيفر

مواضيع ذات صلة