مؤسسة ريّان لحماية الطفولة…                                                                                                                           سليم مصطفى بودبوس

مؤسسة ريّان لحماية الطفولة… سليم مصطفى بودبوس

9 فيفري، 18:30

عاش العالم الأسبوع الماضي على وقع محاولة إنقاذ الطفل المغربي ريّان جراء سقوطه من علوّ 32 متراً في البئر الواقعة في قرية إغران بمدينة شفشاون. وتابع جمهور غفير عبر القنوات التلفزيونيّة ومواقع التواصل الاجتماعيّ جهود السلطات المغربيّة التي استعانت بكلّ إمكانياتها البشرية والتقنية والطبية في محاولةٍ لإنقاذ الطفل.. وتمّ لهم ذلك، ولكن بعد فوات الأوان حيث اختاره سبحانه وتعالى إلى جواره.

وقد ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي على مدار  خمسة أيام معبّرة  عن تعاطفها و تضامنها مع معاناة الطفل ريّان بالدعوات والتعليقات، ثمّ تطوّرت إلى تحاليل وتأويلات تفاعلا مع هذه الحادثة، ومع مرور الأيّام  تضاءلت فرص نجاته، ثمّ أصابت الصّدمةُ الملايينَ ممّن ترقّبوا خروج الطفل المغربي ريان من البئر حيّا، لكنّ إعلان نبأ وفاته أدمى القلوب حول العالم.

وإذْ نُعزّي عائلة الفقيد والمملكة المغربية الشقيقة في هذا المصاب الجلل والحادث الأليم، فإننا نحيي جهود كل المتدخّلين على عين المكان، ونثمّن عاليا الموقف المشرّف و التضامنيّ الذي أظهره أبناء الشعب العربي من المحيط إلى الخليج.

 لقد أخرجت مأساة الطفل “ريان” ابن قرية إغران بجماعة تمروت بإقليم شفشاون بالمغرب الأقصى.. المنطقة من عزلة فرضتها صعوبة تضاريس سلسلة جبال الريف لتتصدّر اهتمام الرأي العامّ المحليّ والعربي والدولي فصار حديث العالم، ومع حادثته المؤلمة يتصدّر من جديد “الطفل” في الوطن العربيّ المشهد الإعلامي وتتداعى العديد من المشاكل التي تعاني منها الطفولة.

فشكرا ريّان لأنك ذكّرتنا بمحمّد الدرّة وكيف تُقتل الطفولة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالرصاص بدم بارد… ويُشرَّد الأطفال من بيوتهم ليسكنوا العراء في المخيمات والملاجئ…

شكرا ريّان فقد انتبه العالم أكثر فأكثر إلى معاناة الطفل السوري فواز قطيفان من قرية إبطع في ريف محافظة درعا في الجمهورية العربية السورية، بعدما نشر خاطفوه مقطع فيديو له وهو يتعرض للتعذيب والضرب بغية إجبار ذويه على دفع فدية كبيرة مقابل إعادته إليهم، وذلك بحسب ما ظهر في مقاطع الفيديو المنتشرة.

شكرا ريّان فقد ذكّرتنا بقوارب الموت التي تحمل عائلات بها أطفال قرروا الهروب من جحيم أوطانهم إلى أمل منشود في حياة كريمة في شمال المتوسّط.. شكرا فقد ذكّرتنا بمعاناة الأطفال السوريّين في الثلوج تحت خيام بالية في ملاجئ تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة بعد أن اضطرتهم الحرب إلى ترك بلادهم

الجميلة.

شكرا ريّان فقد ذكّرتنا بما أهمله الإعلام من معاناة الأطفال في مناطق النزاع والحروب على غرار معاناة الطفل اليمني والليبي والسوري والعراقي والسوداني والصومالي الذي تستغلّه بعض الجماعات هناك وتوظّفه في مهام متعددة كاستخدامهم دروعا بشرية، أو في ساحات القتال، أو في العمليات الانتحارية، أو تقديمهم لخدمات مساندة للتنظيمات المسلحة، مثل العمل كجواسيس، في الوقت الذي من المفترض أن تكون الطفولة مرحلة زمنية آمنة، للنمو والتعلم واللعب، إذْ أنّ كل طفل يستحق التمتع بطفولة فيها من الحب والرعاية والحماية والتعليم ما يمكّنه من نمو سليم وآمن، غير أنّ ربع أطفال العالم على الأقل لاينعمون بهذه التجربة، وعدد كبير منهم وللأسف في الوطن العربي.

شكرا ريّان فقد أيقظت العالم على إهمال مقصود أو غير مقصود للطفولة، وذكّرتنا بقضيّة عمالة الأطفال وهي من الظواهر الاجتماعية التي استفحلت في الوطن العربي، وأثّرت عميقا وبشكل خطير على حياة الأطفال الذين يضطرّهم الفقر والخصاصة والحاجة إلى التسرّب من المدارس والدخول إلى سوق العمل للمساعدة على إعالة أسرة كاملة وتوفير احتياجاتها المختلفة.

شكرا ريّان فقد أيقظت قلوب بعض الغافلين عن معاناة الأطفال؛  فقدّموا التبرعات لعائلتك وأغدقوا.. شكرا فقد أيقظت عيون الغافلين من المسؤولين عن المناطق الريفية وما تعانيه الطفولة هناك من تهميش، فأصدرو القوانين والمراسيم لحماية الأطفال…

ريّان، اسمح لي باسمك وباسم الطفولة، ومن هذا المنبر، وتخليدا لذكراك أن أدعو أصحاب القلوب الرحيمة في الوطن العربي إلى تأسيس “مؤسسة ريّان لحماية الطفولة” لعلّها تساهم في الجهود الرسمية كي نستجيب لنداء ريم البندلي يوما ما حين غنّت: ” اعطونا الطفولة اعطونا السلام”. 

مواضيع ذات صلة