
متى تستيقظ وزارة الوظيفة العمومية من سباتها العميق؟
من بين الأسباب التي تغرق البلاد في العجز والصعوبات وتزيد من حدّة الأزمة التي يعيشها الاقتصاد التونسي، هو وجود العديد بل الآلاف من المسؤولين غير المؤهلين لتحمل المسؤولية وتنقصهم الخبرة والكفاءة لذلك.
والإطارات المعروفة بكفاءتها ونزاهتها وقدرتها على مجابهة الصعاب قد أحيل جلّها على التقاعد وخيّر آخرون الإبتعاد أو الانسحاب نتيجة تعفّن مناخ العمل ففسح المجال للفاشلين وأصبحت المصلحة الشخصية والجشع هي القاعدة.
واليوم، من غير المقبول أن نجد هذا الكم الهائل من الأعوان ولا نعرف ماذا يفعلون، وحتى إن سألت العون نفسه وطلبت منه أن يبسط لك مهمته فلا يستطيع إجابتك وربما يصيبك الذهول للحالة التي أصبحت عليها الإدارة وكيف تُصرف آلاف المليارات في لاشيء.
أما المسؤول، فحدّث ولا حرج، وتجده يسبح في عالم آخر حيث يغيب عنه الإجتهاد ويستعمل الفرامل للتوقف في أول إشكال يجابهه، فهو يشتغل بعقلية “مسمار في حيط” وتجده في فراغ تام منغمسا في الإبحار على الأنترنات يريد أن يعطي الإنطباع على أنه يعمل، وينتظر دعوة للحضور في جلسة إضاعة الوقت بالولاية أو البلدية ليسجّل حضوره السلبي، ثم يعود إلى مكتبه وبعدها يركب سيارته الإدارية وهكذا دواليك.
حقا إنها معضلة تنخر البلاد بلا متابعة ولا مراقبة ولا محاسبة، ونحن بصدد دفع الثمن باهظا في ظل غياب تام لوزارة الوظيفة العمومية التي لم تستيقظ بعد من غفوتها وسباتها العميق.
فالعطل السنوية وعطل المرض مثلا مازالت كل الإدارات تقريبا تجهل كيفية اسنادها واحتسابها مع تراكم الأخطاء وما يترتب عنها من خسائر خاصة عند ربطها بأيام الراحة وكذلك عند تأجيلها، فقد لاحظنا أن العديد من الأعوان يتعاملون مع التراتيب التنظيمية وكأنهم في دكان عطّار ما أدّى إلى وجود حالات تأجيل وتجميع عطل 5 سنوات دون مقررات تأجيل.
وفي بعض الإدارات الجهوية أو المركزية، تضيع المراسلات والملفات وكأن الأرض انشقت وابتلعتها ولا من مجيب، حتى أصبحت العملية عادية لدى الجميع، وتواصلت الرداءة من سيء إلى أسوأ رغم الدورات التكوينية التي لا طائل منها ورغم أهمية وقيمة التجهيزات المتوفرة.
فوق هذا وذاك، ومع حلول الساعة الرابعة بعد الزوال، يمكنك أن تتوقف يوميا مندهشا من كثرة السيارات بما فيها الإدارية، وهي تأخذ طريقها نحو العودة إلى البيت وكأن توقيت العمل بالإدارة قد تغيّر، ويتكرر المشهد على مدار الأسبوع دون أن تحرّك سلطة الإشراف ساكنا.
فإلى متى ستبقى وزارة الوظيفة العمومية في حالة غيبوبة ووباء اللاّعمل Farniente آخذ في الإستفحال بالإدارة ونحن أصحاب الأرقام القياسية المرعبة في سلم عدد الأعوان العموميين(85 موظف لكل 1000 ساكن والمعدل الأوروبي 15 لكل 1000 ساكن) وحوالي 100 ألف سيارة إدارية (أكبر نسبة في العالم) جلّها مسخّر للمصلحة الخاصة؟ فهنيئا لتونس بهذه المكاسب!
محمود