مسلسلات العربية الفصحى : الغائب الأكبر في رمضاناتنا الأخيرة… سامي النيفر

من منّا ينسى تلك المسلسلات المضحكة والطريفة التي تمتزج فيها الفصاحة مع المتعة والكوميديا مع التعليم والحكمة مع البلاهة…

مسلسلات دأبت على إنتاجها بانتظام قناتنا العمومية الوطنيّة في التسعينيات… مسلسلات تتماشى مع روح شهر رمضان وفيها من عبق التاريخ العربي بعيدا عن الحياة الحديثة… كنتُ أسمّيها في صغري مسلسلات “جحا” لأنها للوهلة الأولى تحوي بطلا طريفا مضحكا ذكيّا وغبيّا في نفس الوقت وينجو من مواقف محرجة تقع له بالحيلة والذكاء وربما يوقع الآخرين في فخاخه لكن دون أن يكون في ذلك شراسة أو عنف… وكذلك يفعل بقية الأبطال الذين يكونون ظرفاء وخارجين عن المألوف ولكنهم شخصيات نعترض أمثالها في واقعنا اليومي… مسلسلات جيّدة تغرس فينا قيما نبيلة وتعلّمنا العربية الأصيلة التي تكاد تندثر مع الأيام بوجود لغات هجينة لا هي من الدارجة ولا هي من العربية ولا هي من اللغات الأجنبية بمفردات أحيانا سوقيّة واللغة ذوق وأناقة وأسلوب تخاطب نبيل تعبّر عن شخصية الإنسان وفكره وثقافته… في وقت من الأوقات تمّ إنتاج أعمال تونسية سورية مشتركة أشهرها “الراية والغيث” و”الذئب” وخاصة “حنظلة أبو ريحانة” الذي يميل أكثر إلى الحياة الاجتماعية والطرافة وكان من بطولة زيناتي قدسية، عبد المجيد الأكحل، زهير عبد الكريم، أميمة الطّاهر، ألفة الطّرودي…

ومع ذلك كانت للتلفزة الوطنية صولات وجولات في مسلسلات بالعربية الفصحى على غرار “دعبل أخو دهبل” و”بنت الخزّاف” و”خضراء والكنز” وكل هذه الأعمال كتبها باقتدار المرحوم علي محسن العرفاوي.. أعمال تشدّك حتى في موسيقاها ومن أشهرها “بنت الخزّاف” التي لحّنها المرحوم محمّد العود… وقد تألّق في دور “جحا” بصفة خاصة الفنّان عبد اللطيف خير الدّين أمّا في النّساء فلا شكّ أنّ سلمى الحفصي كانت مبدعة في طريقة تمثيلها وفي نطقها السليم للفصحى دون أن ننسى أبطالا صنعوا ربيع هذه الأعمال مثل محمّد اليانقي، لزهر البوعزيزي، حليمة داود، محمّد الكرّاي، فاطمة خنفير، مراد كرّوت، عبد الوهّاب المصمودي، الحبيب بن ذياب، أنور العيّاشي، فوزيّة بومعيزة، بشير الصّالحي، حدّاد بوعلّاق، رضا عزيّز، الفاضل قلنزة، سفيان الشّعري، ….
غريب كيف يحنّ البعض إلى الفوازير والكاميرا الخفية وبعض السيتكومات على علّاتها وينسى الأهم وهي مسلسلات الطرافة والحكمة بالعربية الفصحى والتي نشتاقها كثيرا لأنها جزء من شخصيّتنا وهُويّتنا وأصالتنا التي تكاد تندثر أمام التيار الحديث الذي يحمل الميوعة والبلادة خاصة للأجيال الصاعدة…

سامي النيفر