مسلسل الحصاد.. الهُويّة التّونسيّة الأصيلة

مسلسل الحصاد.. الهُويّة التّونسيّة الأصيلة

29 جانفي، 21:02

لا يختلف اثنان في القيمة الفنية للأعمال الدرامية في التسعينيات ولهذا بقيت تلفزتنا الكسولة تعيدها مرّات عديدة وكرّات مديدة على مدى الأعوام ولعلّ أجملها على الإطلاق هو مسلسل “الحصاد” الذي تبثّه الوطنية 2 على العاشرة والربع ليلا أمّا لماذا فلأنّنا نعيد فيه اكتشاف هُويّتنا التونسية الأصيلة غير المشوّهة فهو يدور في الريف الجميل وموضوعه الرئيسي حبّ الأرض والصراع على كل شبر منها لأنها الكنز الذي لا يفنى وما أجمل الزاهي وهو يقول إنه يعمل في الفلاحة من الصباح إلى المساء بجدّ وكدّ ويعرّق دون تعب لأنه يحبّ أهله وأرضه.. اجتمعت في هذا المسلسل الكوميديا الهادفة مع المشاهد المؤثرة والمآسي المتكرّرة والألغاز البوليسية وبيّن هذا العمل وجه التونسي كما هو في طيبته وسذاجته وحبّه للناس وشهامته وإيثاره وكرمه وغيرته كما في كذبه ونفاقه و”قلبان الفيستة” عملا بقاعدة “الدنيا مع الواقف” ومكره وحيله من أجل استرداد حقّه أو حتى من أجل تحقيق بعض المآرب الخبيثة أحيانا وفي تفكيره في مصالحه ومساوماته وفي ثورته المشروعة عند غضبه واندفاعه دون احتساب العواقب مقابل رزانته في مواقف أخرى.. هذا المسلسل ثريّ بالأحداث، يجري في الريف وفي المدينة، في الحقل وفي الشركة، في الكوخ وفي الدار الفخمة، في الواد وفي أعلى الجبل، في المستشفى وفي السجن.. نشاهد فيه البرنوس والزي التقليدي والثياب الرّثّة كما الكسوة وربطة العنق والملابس الفاخرة.. فيه الغني والفقير حين يلتقيان على المصالح أو يصطدمان في صراعات مجتمعية طبقية وأحيانا يتصادقان بإخلاص دون حسابات.. ناقش هذا المسلسل أيضا التحيل والكسب غير المشروع وتزوير الحسابات والمظاهر الخدّاعة والفخفخة الفارغة والعلاقات خارج إطار الزواج وسوء معاملة زوج الأم وزوجة الأب والغدر والصراعات العائلية وفي العمل أو بين الأصحاب والجيران ولكنه حلّ أغلب هذه المشاكل بحكمة وتعقّل دون أن نشاهد تلك النهاية التقليدية السعيدة المصطنعة الركيكة السّمجة كما يحصل في بعض الأعمال الأخرى.. في هذا المسلسل الذي تدوم حلقته زهاء ساعة دون إشهار أو تقطّع ودون مشاهد مركّبة زائدة نستمتع في كل المراحل إذ إنّ تطوّر الأحداث لا يتوقّف أبدا فهناك أعمال رغم تميّزها يقع فيها ما يسمّى بجمود الأحداث أو بطئها خاصة في وسطها على غرار “الخطّاب ع الباب”، “الدّوّار”، “منامة عروسية”، “غادة”، … في الحصاد تكون الأحداث حيّة ومتطوّرة ومتسارعة وقد تتشابك كلّها لتصل إلى نقطة واحدة محتومة فيتلذّذ المشاهد بالمتابعة دون تشتّت ودون ملل نظرا لحبكة السيناريو الذي صيغ بعقل وإخلاص من الكاتب المبدع الدكتور عبد القادر بن الحاج نصر صحبة المخرج القدير المرحوم عبد القادر الجربي ومن أراد أن يعرف الدارجة التونسية والأمثال الشعبية فليشاهد “الحصاد” وياله من عنوان جميل مع ممثّلين فنّانين من أوّلهم إلى آخرهم وقد رضي كثير منهم أن تسند له أدوار صغيرة أو يظهر كضيف شرف دون عقد بدءا بالمنصف لزعر والشريف العبيدي والطيب الوسلاتي وجميل الجودي وفتحي الهداوي والحطاب الذيب ودليلة المفتاحي ونور الدين بن عياد مرورا بفاطمة البحري وأحمد الحفيان والفاضل قلنزة وخديجة بن عرفة وصولا إلى الزين موقو وعمر زويتن ودلندة عبدو وغيرهم كثير ممّن أتقنوا أدوارهم في هذا العمل الذي يبهرك في السيناريو والإخراج والموسيقى التصويرية التي تميّزه بالإضافة إلى جينيريك البداية وأغنيته الرائعة الهادفة التي أدتها باقتدار درصاف الحمداني مع تلحين رائع لأسامة فرحات.. من أجل هذا وأكثر يبقى “الحصاد” واحدا من أجمل الدراما التونسية إن لم يكن أجملها على الإطلاق.

سامي النيفر

مواضيع ذات صلة