
مسلسل فلّوجة… واقع مرير أم خيال مريض؟… سامي النيفر
لطالما أثارت سوسن الجمني ومن ورائها سامي الفهري الجدل حول أعمالهما المقدمة في السنوات الأخيرة… ولم يحد مسلسل الفلّوجة هذه السنة عن القاعدة إذ تناول مواضيع المخدّرات وتمرّد الأبناء على الآباء والأستاذ وعلاقاتهم شبه الحميمية وميوعتهم بالإضافة إلى ترفهم وهندامهم غير اللائق وطريقة كلامهم وكرههم للدراسة وعدم جديتهم ونقص وعيهم… كل هذا في حلقة أولى عنيفة على قيمنا النبيلة التي نريد أن نرسّخها في الناشئة وفي المجتمع كله وكأنّنا بصاحب العمل يشجّع على هكذا ضلالات لأن المتفرج وخاصة من الشباب أحببنا أم كرهنا سيقلّد ممثّلي هذا العمل المنحرفين والذين لا يوجد بينهم شخص واحد رشيد وإن وُجد فسيعاني على غرار الأستاذة أو الأم…
في البداية، علينا أن نعترف جميعا أنّ الفهري عرض جزءا هاما من حقيقة مجتمعنا ويجب ألّا ننكر أنّ ذلك واقعنا وهذه مشاكلنا ولم يأت بشيء من عنده بل هناك أتعس من ذلك… ولكن المشكلة أنه يعرض ذلك بطريقة جذابة وكأن هؤلاء المنحرفين قدوة جيدة وهم أبطال وأصحاب شخصية وكاريزم و”يدبّروها” و”يسلّكوها” وينجحون بعنفهم وأساليبهم الملتوية… الأطفال والشباب والعائلات ضائعة قبل مسلسل سامي الفهري وليس هو السبب ولكنه يصبّ الزيت على النار ويفتح الجرح أو يجعله حلوا وهو مرّ… كنّا سنبارك المسلسل لو ينتهي بذكر عاقبة الانحراف السيئة ويحلّ المشاكل بأسلوب تربوي حتى تأخذ الناشئة عبرة من القصة، ولكنّ صاحب الأفكار عوّدنا منذ “مكتوب” بالنهايات المفتوحة والأعمال المبتورة وغير الكاملة والتي لا تعرض حلولا ولا نهايات للقضايا المطروحة بالجملة أو “بالياطاش” وبأكبر كمية وبعشوائية وبطريقة “حل الصرة تلقى خيط” وبشكل مغر ومثير والتي تثير النقاشات ممّا يشوّق الناس ويغريهم بمتابعة المسلسل الذي سيحقق نسبة مشاهدة عالية رغم أن صاحب العمل لا يعرضه على مواقع التواصل الاجتماعي ولا يريده مجانيا لأن غايته تجارية بالأساس مع شبهة مساهمته في مزيد نشر التفاهات والتمييع… شيء آخر : كيف يكون معظم الأبطال منحرفين ومُتْرَفِين ؟ ثمّ لماذا لم تعد مسلسلاتنا تتحدّث عن الريف والقرى وتوازن بين الحياة التقليدية والعصرية كما كان سابقا ؟ ألهذا الحدّ تطوّرنا واضمحلّ الريف وعاداته ؟ هناك أيضا صورة داكنة الألوان كأغلب الأعمال الحديثة المعروضة على كل القنوات وهناك مبالغة في إظهار ممثّلين جدد سيختفون لاحقا وهذه ظاهرة سيئة وهناك تركيز على الوجوه دون أن نرى المشهد كاملا فلا نعلم في أي شارع وفي أي مدينة وفي أي مكان.
لعل الوجه المشرق لهكذا عمل عرضه لمعاناة الأستاذة التي ثقبوا عجلات سيارتها وأساء التلاميذ الأدب معها وسخروا منها بمشاركة الحارس والقيّم والقيّمة بالإضافة إلى الشباب الضائع… إنّ لدينا جيلا منحرفا حدّ الإجرام وأكثر مما عرض في المسلسل وقد يكون في نفس الوقت ضحية معاملة قاسية أو إهمال من الآباء. فعلينا أن نعود إلى أساليب التربية الصحيحة وذلك بالصرامة والحنان وهو ما لا نمنحه لليافعين اليوم. وعلى صاحب العمل أن يعالج هذه المظاهر لا أن يقدّمها بشكل جذّاب يغري بتقليدها.. عندها فقط لن يتّهمه أحد بمزيد تمييع المجتمع عوض إصلاحه وهي وظيفة الإعلام والأعمال الدرامية لو كانوا يعلمون.
سامي النيفر