من الآثار السريعة لواقعة 14 جانفي 2011 : مسلسل “قلبان الفيستة” ….مصطفى عطيّة

من الآثار السريعة لواقعة 14 جانفي 2011 : مسلسل “قلبان الفيستة” ….مصطفى عطيّة

15 جانفي، 21:15
  • تغير كل شيء، فجاة، في ذاك الممر الصحي الممتد على الطريق الرابط بين حي النصر والمنزه السادس. كنت قد تعودت على تخصيص ساعة او اكثر بقليل لرياضة المشي مع ثلة من الاصدقاء، ونادرا ما كان يعترضنا بعض المهرولين مثلنا او المتفسحين الباحثين عن لحظات عزلة وانفراد بالنفس، لكن بعد انهيار النظام ومغادرة الرئيس بن علي البلاد بطريقة مفاجئة ومسترابة، إزدحم الممر، على غير العادة، بالناس: رجال بجلابيب بيضاء و لحى كثيفة، بعضها مخضب بالحناء، ونساء متسربلات في عباءات سوداء، واطفال يجرون كلاب شوارع قذرة بحبال مهترئة تنذر في كل لحظة بهروب الكلاب وهجومها على المارة. جميعهم خرجوا، من حيث لا يعلم احد، لممارسة رياضة المشي وكانهم كانوا ممنوعين من ممارستها. لم استطع مواصلة المشي فالممر مزدحم وتنبعث من محتليه روائح منفرة واصوات متنافرة. عدت إلى سيارتي الراسية على جانب الطريق وٱتجهت إلى المنزل حيث مكثت مكرها. كانت القناة التلفزية العمومية تبث برنامجا حواريا صاخبا حول “الثورة المباركة” و”فساد” الرئيس “الهارب” بن علي وحاشيته، تقدمه وتؤثثه وجوه كانت منذ ساعات ليست بالعديدة، تتلو آيات التمجيد “لصانع التغيير” وتعدد إنجازاته وتبارك ما جاء في خطابه الأخير من معاني الوطنية والصدق والإخلاص “للشعب الوفي”. غيرت إلى قناة خاصة، صاحبها احد اصهار الرئيس المنقلب عليه. كان المشهد مماثلا : أصوات تبارك “إستشهاد بطل مغوار من اصحاب الشهادات العليا”، إنتحر حرقا “بسبب الظلم والقهر”. كانوا يعددون “خصاله” و”شهاداته العلمية” بروح “ثورية” عارمة، وهم الذين كانوا، قبل يوم أو يومين، يرددون مع “صاحب القناة” ان المنتحر صعلوك مختل المدارك العقلية، ترك مقاعد الدراسة مبكرا وسعى إلى التحرش بموظفة البلدية فصفعته ثأرا لشرفها. كان من بين المحاورين الأكثر حماسا، محام عرف بدفاعه المستميت عن أصهار الرئيس “الهارب” كلما إشتكى منهم مظلوم اتوا على املاكه فنهبوها وعلى حقوقه فٱنتهكوها. وجدته، هذه المرة، متوعدا بلهجة بدوية لم يكن يتكلم بها من قبل ابدا، بل صادف وسالته مرة عن اصوله البدوية فانكرها جملة وتفصيلا، مدعيا انه من ابناء الحاضرة ابا عن جد. لقد تغير “الرجل” كما تغير كل الناعقين بأمجاد بن علي وعاد فجأة إلى أصوله البدوية. غيرت مرة أخرى إلى قناة خاصة ثانية، ولدت من رحم اموال مشبوهة ومع شركاء اكثر شبهة، وقد إشتهر صاحبها بقولته الشهيرة : “بن علي بونا الحنين”. ! كانت تبث حصة حوارية مباشرة جمعت رهطا من قلابي الفيستة، احدهم كان خادما لدى ابناء الطرابلسي، يصطاد لهم بائعات الهوى، وآخر كان “صحفيا” مطبلا يأتمر بأوامر أحد مستشاري بن علي ! وثالثة كانت لا تغادر سقف منصف الطرابلسي إلا وقد أخذ منها الخمر وأشياء أخرى، مأخذا عظيما”، ورابعهم متخنث يدعي الإفتاء في أمور الدين والدنيا وقد تم فرضه على القناة منذ مدة لغاية في نفس صهر الرئيس ذي الإسم الثلاثي. كان الفجور في ابشع مظاهره، وكان النفاق قد بلغ بأصحابة درجة مرعبة من الصفاقة وٱنعدام الحياء تماما، حتى وصل الامر باحد الضيوف، وقد كان منذ نصف يوم فقط، من اقرب مستشاري بن علي إلى قلبه وأشيائه الصغيرة، واحد اهم منظريه واكثرهم وشاية بزملائه وغير زملائه، ليقول بكل صفاقة، عندما سأله المنشط، المنقلب هو أيضا، بصوته الأنثوي الذليل، عن الرسالة التي يود توجيهها إلى “الرئيس الهارب” ؟ : “اقول له لقد خنت شعبك ” !!!

مواضيع ذات صلة