
من جعل أرض صفاقس وسماءها لا تدخل التراث العالمي؟؟..رضا القلال..ج 2
– الجزء الثاني–
* سوء اختيار مكان الاجتماع وإدارته
* وضع بيئي غير مسبوق بصفاقس يؤثر على التسجيل
* الراي العام الصفاقسي ملّ الهزائم والانكسارات
* فائض من “الانا” الصفاقسية
* التزام وزارة الثقافة بدعم ملف الترشح
كتب رضا القلال
-II-
شموع لا تضئ
الحقيقة شعرت بكثير من الإحباط في هذا الاجتماع على مستوى قيادة الحوار والنظر في المشكلات وكثير من الادبيات و”الانا” الصفاقسية الفائضة… واشير هنا الى امرين على الأقل:
- سوء اختيار مكان الاجتماع بقصر البلدية وإشراف رئيس البلدية ذاته على إدارة الحوار لأن هذه المؤسسة شكّلت من خلال رئيسها علاقات اسمنتية مع المواطنين قابلة للتفاعل السلبي مع كل ما يقوم به أو ما يصدر عنه. وكان من الأفضل أن يلتئم الاجتماع بمركز الولاية لما يحمله الوالي الجديد من نصيب من الانفراج والأمل بالجهة.
- لم تصدر دعوة رسمية خطية لهذا الاجتماع، وتمت العملية هاتفيا على مدى أسبوع تقريبا تجشمت فيها الأستاذة أسماء البقلوطي أتعاب الإعداد لهذا الاجتماع. ولئن رتب ان يكون الاجتماع مخصصا للمجتمع المدني، فهو حقيقة لم يكن لذلك. صحيح أن اليونسكو تشترط حضور المجتمع المدني، الذي يشمل الجمعيات التراثية والقريبة منها ولكن هي تطلب أيضا كما قال د.مصطفى الخنوسي انخراط كل مكونات المدينة…والواضح إذن في خارطة الحضور غياب المثقفين ورموز المدينة والصحفيين والاكاديميين بل لم تحضر مندوبية السياحة ومندوبية الشؤون الثقافية والجامعة ..ولم تنزل جمعية صيانة المدينة بثقلها واكتفت بإرسال فني الجمعية ممثّلا عنها وهو على قدر كبير من المهنيّة بين قوسين…ولست أدري لماذا نصّب رئيس البلدية الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة طرفا رئيسيا في الملف وهو حلقة من حلقات المجتمع المدني ويمثل جزءا من رجال الاعمال الى جانب منظمة “كونكت” واتحاد المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
وضع بيئي وتراثي يتداعى بشكل غير مسبوق في صفاقس
لقد أثرت الوضعية السائدة بالمدينة على مجريات هذا الاجتماع ووتّرت من حين لآخر نسق الحوار والنقاش. والعينة من الرأي العام الصفاقسي الحاضرة تحوّل الوعي فيها من إحباط فردي إلى إحباط جماعي. والثابت أن الرأي العام الصفاقسي ملّ الهزائم والنكبات وكأنه أصبح في صراع مفتوح مع نفسه ومع الاخر المركزي. اقرؤوا معي هذه الملاحظات في لحظة تاريخية حرجة:
- قوة (الانا) الصفاقسية : رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بصفاقس يتفاخر (إحنا لولين في كل شيء، واحنا مهمشين والدولة هي السبب في التجارة المهربة والموازية و”النصب”…) ورئيس البلدية يرسل بكل مآسي المدينة في النفايات والفوضى المرورية وجدب الحدائق وقلّة وسائل الترفيه الى المركز؟ ويرسل بلوبي “الفريب” في القصبة وغيرها إلى (الأمن) هكذا كرّر أكثر من مرة؟ وقد أخذ الكثير من الوقت للدفاع عن نفسه. وممثل شركة اريج يحذر من يوم “تترشق فيه كوكات صفاقس” وتألمنا قبل أن يتألم الضيوف عندما أضاف : “إيجاو نفطروكم ميسالش” – ماشي في بالو إلّي هوما جواعا وجايين يلوجو على الماكلة”…وكذلك تصرّف جزء من المجتمع المدني الحاضر بشيء يندى له الجبين! حدث في هذا الاجتماع أكثر من ذلك وهو في الأصل اجتماع تفاوضي بطلب من وزيرة الثقافة مما يستدعي برأيي لباقة وظرافة وحسن استقبال وخدمة مصلحة صفاقس. وكنت أتمنى ان يأخذ مصطلح “البراغماتية” حظه وأن يسبق العقل : إذا سلموا بقوة المركز المطلق في التهميش والاقصاء لماذا لا يقرون في ذات الوقت بضعفهم ليشكل ذلك عائقا إضافيا! ألسنا جميعا شركاء ومتحيزون ووسطاء في صناعة هذه الظروف المأساوية في مدينتنا؟ ألا يسأل كل مسؤول نفسه ما هي إنجازاته؟ وما هي كفاءته؟ وماهي مدى درجة قبوله ومصداقيته عند منظوريه ومتساكنيه؟ وما هو حجم حرصه على ذاته ومصلحته؟ ولماذا نتناسى القيود الأيديولوجية والفكرية و”العنصرية” والانقسامات والضغائن …التى تحوم بيننا في علاقة بالملف وتفاصيله؟؟
- قوّة (الانا) الصفاقسية اقترن بعجز تخفيه طريقة أداء المؤسسة البلدية وممثليات الوزارات الأخرى. وعجز حتى المجتمع المدني ذاته وهنا أتحدث بشكل عام ولا أقصد المجتمع المدني التراثي. هذا المجتمع وقع اختراقه في عديد المرات، ودافع عن الشيء وضده، وذهب الى اتجاهات راديكالية، وعجز عن انجاز عديد المهمات وشكل تكثيفا لتاريخ الحيرة والضياع المربك بالمدينة. والرأي الذي عبر عنه الثنائي المركزي فيه لوم صريح على المجتمع المدني عامة في عدم القدرة على مدى 10 سنوات في إيقاف الإساءة الى المعالم التاريخية في المدينة العتيقة وباب بحر، بل والصمود في رعاية مكونات الملف التراثي المرشح لنيل التسجيل في قائمة التراث العالمي. أليس هذا صحيحا ! ألم تحدث إساءات بالجملة للتراث في المدينة التاريخية وفي المدينة الأوروبية وفي البحر وهي المكونات الرئيسية لمشروع صفاقس؟ في كل مرة تدخل المدينة العتيقة أو تقف أمام باب الديوان أوفي مواجهة عمارة بن رمضان المنهارة وفي أكثر من مكان …. تشعر بالاضطراب في الأحشاء، وقدماك لا تستطيعان حملك وأنت تتجه الى المنزل !!
والحصيلة، وهنا نأتي إلى الأنباء السارة فالاجتماع أكد على التزام الوزارة القطعي بالملف وهي تضع نفسها طرفا في البحث عن الحلول. وقدمت في هذا الاجتماع نصائح عملية لا غبار عليها من خبيرين سمعتهما تطالان عنان السماء. وقدمت الوزارة في الوقت ذاته حجة للتغلب على يأس الصفاقسية واحباطاتهم من المشاريع المركزية من خلال خارطة طريق واضحة. أنا أقول ختاما التقدم في هذا المشروع غير مستحيل وصفاقس تعج بالكفاءات (د.الناصر البقلوطي د.عمار عثمان أسماء البقلوطي سفيان السويسي د.فاخر الخراط وغيرهم كثير ممن اشتغلوا على صفاقس…..) فقط نحن نحتاج إلى الحكمة والجرأة لفعل ما هو ضروري لهذه المدينة. وإذا كانت الحلول لكل هذه المشكلات موجودة حقا، فالأجدر، بدل ان ننطوي على أنفسنا ونقيد أيدينا طوعا، أن نمضي في اختيار الخطوة الإيجابية وقد أثبتت الازمات والضرورات الملحة أنها أمّ الاختراع.