نتائج إيجابية تخفي مؤشرات سلبية بقلم حسونة جمعاوي
كشفت نتائج أعمال المعهد الوطني للإحصاء علىى تحسن واضح في مؤشر الأسعار والمبادلات الخارجية لبلادنا خلال ال11 شهر 2020. حيث سجل مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي في أواخر شهر نوفمبر 2020 ارتفاعا بنسبة 4,9% بعد ان كانت في حدود 5,4% خلال الشهر السابق وهي أضعف نسبة تم تسجيلها منذ شهر جوان 2017. كما سجل العجز التجاري في أواخر شهر نوفمبر 2020 تحسنا ملحوظا بقيمة 7613,2- م.د ليصبح في حدود 6116,7- م د مما ساهم في ارتفاع نسبة تغطية الصادرات بالواردات لتصل إلى 75% مقابل 69,4% خلال نفس الفترة من السنة الماضية و68,2% خلال 11 شهر من سنة 2018. ولئن تبدو هذه النتائج إيجابية في ظاهرها، لكنها تخفي سلبيات عديدة منها ما يتعلق بمنظومات الإنتاج والتوزيع ونظام الأسعار وهيكلة مبادلاتنا مع الخارج وخاصة ما يتعلق بضعف مجهود الدولة والسياسات المتبعة لمزيد التحكم في هذه المؤشرات. وفي هذا الإطار نرفع الملاحظات التالية: الملاحظة الأولى تتعلق بتراجع مؤشر الأسعار الذي لا يمثل تراجعا في حد ذاته بل سجل تباطء ( un ralentissement)) في الارتفاع لأن المستوى المسجل (4,9%) يبقى مرتفعا بالمقارنة مع معدل التضخم مدة 20 سنة قبل 2010، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية مازال الإحساس بالغلاء متواصلا لدى المواطن ولم تتحسن طاقته الشرائية. الملاحظة الثانية، هو أن نسبة 4,9% بالرغم أنها أضعف نسبة منذ سنة 2017 فإنها ناتجة في الحقيقة عن قرارات اتخذها البنك المركزي للتحكم في التضخم لم يقم بها في السابق. خاصة من خلال اعتماد سياسة حازمة في مجال التحكم في نسبة الفائدة المديرية وكتلة العملة الوطنيةla masse) monnaitaire) المتداولة بالسوق. الملاحظة الثالثة تراجع نسبة التضخم تعود بالأساس إلى الانكماش الاقتصادي الذي يؤدي بالضرورة إلى تراجع الاستهلاك والاقبال على السلع، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية لا يمكن ان ننسى دور المراقبة الاقتصادية لمسالك التوزيع التي نشطت بأكثر حزم بعد ان أصبحت وزارة التجارة تسير من طرف وزير ينتمي للجهاز له خبرة طويلة على عكس ما كانت عليه في السابق. وفيما يتعلق بتحسن تغطية الصادرات بالواردات وتراجع العجز التجاري فإن السبب الرئيسي يعود إلى تراجع الواردات بنسبة 19,9-% وبنسب أقل فيما يتعلق بالصادرات (13,4-%). فإن هذه المؤشرات تخفي سلبيات عديدة منها: أولا تراجع الواردات دليل على ضعف او غياب تام للاستثمار سواء العمومي او الخاص خلال هذه السنة بصفة كبيرة وهو ما يعني نقصا ملحوظا في قيمة توريد مواد التجهيز والمواد نصف المصنعة الموردة أساسا من الأسواق التقليدية لبلادنا وخاصة منها ألمانيا وفرنسا وغيرها من البلدان. حيث سجلنا، على غير العادة، فائضا تجاريا كبيرا مع هذه البلدان. نذكر على سبيل المثال فرنسا (+3225 م.د)، ألمانيا (+1125 م.د)،. وفي المقابل تم تسجيل عجزا كبيرا مع بعض البلدان غير التقليدية مثل الصين ( -4539 م.د ) وتركيا (-1542 م.د). هذا ويتوجب على الحكومة ومختلف مؤسسات الدولة العمل على عدة واجهات نذكر أهمها: أولا نسجل بكل فخر رأي البنك المركزي الذي رفض تمويل ميزانية الدولة مباشرة وطلب تفويضا من البرلمان قصد تجنب انعكاسات هذه الطريقة لتمويل الميزانية على نسبة التضخم. وفي هذا الإطار أدعو إلى تجنب اللجوء إلى هذا الحل أو استغلاله عند الضرورة وفي أقصى الحالات. ثانيا البنك المركزي مطالب بمزيد المرونة في التحكم في المؤشرات الاقتصادية عن طريق الآليات التعديلية التي يمتلكها وخاصة منها التحكم في نسبة الفائدة المديرية باعتماد تعديلات دورية حسب ما يمليه الظرف. للإشارة فإن انعكاسات التخفيض في هذا المؤشر له انعكاسات ايجابية على كلفة الاقتراض سواء بالنسبة للمواطن أو المؤسسات، حيث تكون له عادة فاعلية مباشرة على الطاقة الشرائية لدى المواطن ومساهمته في التقليص من الكلفة المالية للمؤسسات الاقتصادية وبالأخص تأثيره على وجهة الاستثمارات. ثالثا، يتمثل التحكم في التزويد أهم عامل للضغط على الأسعار. وفي هذا الإطار فأن الحكومة مطالبة بالسهر على ضمان تزويد كاف ومتواصل خلال كامل السنة وذلك من خلال الوقوف بجدية على برمجة الأنتاج والمخزونات والمتابعة اللصيقة الدورية والتدخل عند الاقتضاء في الوقت اللازم ودون تأخير لغل ابواب الاحتكار والتلاعب بالأسعار. وفيما يتعلق بالتحكم في العجز التجاري يبقى دور الدبلوماسية أهم محرك للبحث عن أسواق جديدة ومزيد البحث في الاسواق التقليدية لدعم مكانة بلادنا بهذه الأسواق، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، الدبلوماسية مطالبة بالتركيز على أسواق البلدان التي مازالت مبادلاتنا تسجل معها عجزا كبيرا.