هل سيعود لقطاع توريد الملابس المستعملة دوره الاجتماعي الذي كان يلعبه
هل سيعود لقطاع توريد الملابس المستعملة دوره الاجتماعي الذي كان يلعبه والذي من أجل ذلك الدور أسندت وحصريا رخص التوريد تلك أم ستقوم تلك الامتيازات وتلك البضاعة باستنزاف قطاع الجلود والأحذية وتدميره تدميرا ممنهجا مثلما تمّ تدمير قطاع النسيج الوطني وهل يجدر بالدولة اسناد تلك رخص التوريد تلك إلى الشركات الأهلية عوضا عن اسنادها إلى الحيتان الكبيرة؟
بعد التدمير الممنهج لقطاع صناعة النسيج الوطني هل تتسبّب الأحذية المستعملة التي يتم تهريبها الى تونس داخل حاويات الملابس المستعملة في القضاء على قطاع صناعة الجلود والأحذية التونسي ودفنه إلى الأبد ولماذا تغمض المصالح المختصة في بعض مؤسسات الدولة أعينها وتدفن رؤوسها في التراب كالنعام أمام تفاقم هذه الآفة الاقتصادية الخطيرة وتسمح بعرضها للبيع داخل محلات بيع الملابس المستعملة جهارا نهارا أمام أعين موظفيّ الدولة المكلّفين بزيارة هذه المحلّات ومراقبة البضائع المعروضة للبيع، بل هل تكون بعض الإدارات متواطئة في السماح بدخول هذه البضاعة داخل حاويات الملابس المستعملة؟
يتساءل كثيرون عن كيفية وصول الأحذية المستعملة من مختلف الماركات العالمية إلى محلاّت بيع الملابس المستعملة الفاخرة منها والشعبية وهي البضاعة التي يمنع استيرادها حماية لقطاع الجلود والأحذية الحيوي والمشغّل لليد العاملة بأعداد تصل للآلاف حيث كانت مصانعها تنتشر في كل المناطق الصناعية بالمدن الكبرى وكانت ورشات صناعتها الصغيرة التي تتقن فنونها منتشرة داخل اسوار المدن العتيقة مثل صفاقس وتونس العاصمة وغيرها والتي بدأت تتناقص وتختفي الى الأبد رويدا رويدا.
لابدّ من الإشارة أوّلا إلى أن حاويات توريد الملابس المستعملة التي من المفترض أن يكون لها دورا اجتماعيا تخضع منذ بدايتها لمراقبة مصالح الديوانة التونسية فلا يتم فتح أي حاوية إلا بحضور موظّف ديواني يتأكّد من أنّ الحاويات لا تحتوي على أي ممنوعات خطيرة كالمخدّرات والأسلحة أو بضاعة مخالفة للقانون كاستيراد كميّة كبيرة من الأحذية المستعملة.
صحيح أنّ عمليّة التّثبت الدقيق من المادّة المورّدة صعب وأنّ التأكّد من مختلف مكوّنات البضاعة المستوردة داخل الحاوية شبه مستحيل خاصّة عندما تكون تلك البضاعة مضغوطة داخل أكياس بلاستيكية متوسطة الحجم حينا وكبيرة الحجم أحيانا أخرى حيث تختلط فيها الملابس المستعملة بلعب الأطفال والكتب والأقراص المضغوطة ومستلزمات المطابخ والأحذية وهو ما دفع أجهزة الدولة التي يعود لها أمرهذا الملف المتشعب والخطير بالنظر للقيام منذ مدّة بخلق خطّة لموظّف ثانٍ يقومان معا بمراقبة الواحد للآخر وقت عمليّة فتح هذه الحاويات عند وصولها إلى مصانع الفرز فما الذي حدث وماهي النتيجة وهل صحيح أنّ أصحاب مصنع فرز الملابس المستعملة من الذين تتجاوز ثروات بعضهم مئات المليارات أصبحوا مضطرّين لإكرام الموظّفين الاثنين معا في نفس الوقت بعد أن كانوا يقومون بتسليم موظّف واحد فقط ” قهوته” التي تصل أحيانا إلى ألفي دينار فصاروا يدفعون ضعف ذلك المبلغ للموظّفين الاثنين المكلّفان بالمراقبة؟
أسئلة حارقة ومحيّرة تتعلّق بهذا القطاع ربّما تستوجب تدخّلا مستعجلا وفجائيا من الرّئيس شخصياّ وفي أقرب الأوقات حماية للاقتصاد التونسي وحماية لمدّخرات الوطن القليلة من العملة الصعبة ولتفعيل حربه الظاهرة على الفساد والمفسدين ومبيّضي الأموال ممّن تظهر عليهم آثار الثراء الفاحش بغير وجه وبطرق ملتوية يقومون فيها باستغلال بعض الثغرات التشريعية ويستغلون فيها هشاشة موظّفي مراقبة عمّليات التوريد والفرز ممّا قد يتسبّب في القضاء الممنهج على قطاع صناعة الجلود والأحذية ودفنه إلى الأبد مثلما قُضِيَ على قطاع صناعة النسيج والملابس في تونس!
خليل المصمودي
أستاذ جامعي بالولايات المتحدة الأمريكية وخبير اقتصادي متخصص في الإخلالات الاقتصادية والثغرات القانونية للتشريعات المالية في الدول النامية.