هل يلبي الأمر الرئاسي ما ناضل من أجله المسلمي؟…فتحي  الهمّامي

هل يلبي الأمر الرئاسي ما ناضل من أجله المسلمي؟…فتحي الهمّامي

5 أكتوبر، 18:30

لاعتناء الدولة بالموضوع وتركيزها في هذه الفترة على الأمر الرئاسي-الصادر بتاريخ 23 سبتمبر 2023 – المتعلق بإجراء تدقيق للانتدابات ولمختلف عمليات الإدماج التي تمت منذ 14 جانفي 2011 إلى غاية 25 جويلية 2021 في الإدارة والمرفق العمومي ، لا يمكن للواحد منا أن لا يلاحظ ان مختلف الوزارات دخلت – في هذه الفترة- في حركية كبيرة، ترسل المذكرات وتنشأ اللجان، وتأمر بتطبيق أحكام الأمر المذكور والالتزام بآجاله. علاوة على ذلك، استذكرت اليوم- وانا اطلع على الأمر للتعرف على بنوده- فقيد الحركة النقابية في صفاقس النقابي الشهم حسن المسلمي ليس لأنه يمر اليوم – يا للمصادفة – خمس سنوات بالضبط على رحيله – فقد غدرته المنية يوم 4 أكتوبر 2018-، وإنما لانخراط الرجل المبكر في النضال ضد الانتدابات المشبوهة أيام انطلاقها. فمن كان يعرفه عن قرب من الخصوم ومن غير الخصوم، ما خفي عنهم ابدا، ان قضية هجوم الانتدابات المريبة على الإدارة -في عامي 2013 و2014- لم تكن ترهق عقله فقط بل كانت توقظ كيانه وتحرك همته حتى أنه دفع زملائه – بصفته الكاتب العام لنقابتهم – في العمل، – الإدارة الجهوية للتجهيز بصفاقس – إلى الإضراب في سبيل القضية، فنفذوه بنجاح ليتحدوا الأجواء السائدة وقتها في البلاد.
والمسلمي كان له الاختيار بين ان يستسلم للأمر الواقع أو يسايره ويحاول الاستفادة منه، اختار أن يرفع صوته لمقاومته. ثم ولإصراره على الدفع بالقضية إلى الأمام، واصل الراحل نضاله باستماتة في كل محافل المجتمع المدني الجهوية وخاصة منها النقابية، ليكون من اهم الأصوات في الجهة المناهضة لتيار حزبي يريد الهيمنة على الإدارة بعد اختراقها، بل لولاه – ولولا غيره من المناضلين- ما كان للاتحاد ان يتبنى موقفا صادرا عن هيئته الإدارية الوطنية بتاريخ 5 أفريل 2013 الداعي للتصدي للانتدابات الحزبية المشبوهة، وما بقيت في الاذهان عمليات تسلل حركة النهضة إلى أجهزة الإدارة بغير وجه حق عالقة إلى الآن. إلا ان تلك القوى -في تلك المرحلة- ما كان يمكن لها ان لا تتحرك وأن لا ترد الفعل على حركية المسلمي ورفاقه، إذ استشعرت الخطر على مصالحها، فكادت له كيدا وأحالته على مجلس التأديب -وليس لمرة واحدة وإنما لمرات عدة- لتنزل العقوبات الظالمة بالنقابي المقدام.
كيف لا والادارة بدأت تدخل في دائرة تاثير الحاكمة بأمرها حركة النهضة.

وللجواب عن سؤال العنوان اقول يبدو -للوهلة الاولى- هذا الإجراء الرئاسي الجديد وكأنه رَجْعا لمواقف تم التعبير عليها وقت الترويكا المشؤومة، او كانها شبه استجابة لصيحات قلق واستهجان اطلقت في ذلك الزمن- ومن بينها صيحات حسن المسلمي-، بما أن لجان التدقيق ستتولى، لتكليفها بتنقية عمليات الانتداب والإدماج من الشوائب، التثبت في مدى احترامها للشروط القانونية وتلاؤمها مع التشريع الجاري به العمل انذاك، كما ستتثبّت من صحة الشهائد العلمية المضمنة في ملفات الترشح.
ثم- ولتصحيح ما هو غير قانوني – ستسحب الإدارات والهياكل المعنية قرارات الإدماج أو الانتداب التي ثبت في شأنها عدم احترام الشروط والإجراءات المحددة في النصوص التشريعية والترتيبية المنطبقة عليها أو التي ثبت اتخاذها بناء على شهائد علمية مزورة.
وهنا ارى ان هذا التدقيق وما سيعقبه- ربما – من عمليات شطب لإجراءات انتداب او ادماج غير قانونية في الادارة والمرفق العمومي هو في حد ذاته اجراء ايجابي لأنه سينقيهما ولو جزئيا من أثر أفعال الغش واللاقانون ، ولهذا أؤكد انه من الاهمية بمكان لإعلاء مبدأ الشفافية نشر التقرير الختامي لعملية التدقيق على العموم. إلا انه علي أن أقول ان هذا الأمر لا يمس ابدا من الاطار القانوني
الذي مَكَّنَ من ادماج آلاف المنتفعين بالعفو العام وغيرهم،- وهم خصوصا اعضاء ينتمون إلى حركة النهضة- في الإدارة والمرفق العمومي، وهنا اعني القانون عدد4 لسنة 2012 المؤرخ في 22 جوان 2012. علاوة على انهم تمتعوا بصيغ انتداب ولا أغرب منها قررتها فصول الأمر عدد 883 لسنة 2012 المؤرخ في 20 جويلية 2012.
فأولاءك الذين ادمجوا لم تنطبق عليهم لا صيغ المناظرة الخارجية ولا الداخلية بمعنى أنهم لم ينتدبوا لا بالملفات ولا بالاختبارات (الفصل3)، فلا شرط غير ان تكون متمتعا بالعفو العام. ولكن الادهى والأمر من ذلك ان قائمة المدمجون لم تتوقف عليهم بل توسعت إلى غيرهم -وبالقانون كذلك !!-
فعندما
يتعذر ادماج متمتعا بالعفو، -يقول الأمر عدد883 – فيتم عِنْدَئِذٍ انتداب فرد واحد من أفراد عائلة المنتفع بالعفو العام. ويقصد بأحد أفراد العائلة الأصول أو الفروع أو القرين. وتعتبر حالة تعذر تجاوز السن القصوى أو العجز التام أو الوفاة.
وبناء على ما تقدم يمكنني القول ان القانونين المذكورين اعلاه، -لانتهاكهما الصارخ لحقوق المواطنة والمساواة لجميع شرائح الشعب على راي حسن المسلمي في منشور له بتاريخ 6 ماي 2014 – ليسا سوى صورة مصغرة لما جرى من تمييز لفائدة البعض بتعلة نضال سبق الثورة، فجعلهم ينقضون على الدولة انقضاضا، ويشرّعون لإحتلال مفاصلها.
وللتاريخ كانت ضربة البداية لذلك الغزو إقرار المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المؤرخ في 19 فيفري 2011 المتعلق بالعفو العام والذي مكَّنَ هؤلاء من حقوق مجففة ليس في حق الإدارة والمرفق العمومي فحسب بل في حق البلاد ايضا.
فتحي الهمامي

مواضيع ذات صلة