وفاء للمدرّب القدير هنري كاسبرجاك الذي أعطى الكثير رغم أنهم حاولوا إخراجه من الباب الصغير
هنري كاسبرجاك ممرّن كفء وقدير لن يمحى من تاريخ كرة القدم التونسية أبدا… درّب منتخبنا الوطني في مناسبتين ونجح خاصة في الأولى لأنه كانت لدينا جامعة تحافظ على الاستمرارية وتدعم العمل القاعدي… انتدب الاتحاد التونسي هذا الفنّي بعد خروجنا من الدور الأول لكأس إفريقيا 1994 التي تحصّل فيها كاسبرجاك على المركز الثالث مع كوت ديفوار… ثم انطلقت رحلة جميلة وممتعة واكتشف هذا المدرّب لاعبين شبّانا على غرار عماد بن يونس ومهدي بن سليمان وقيس الغضبان ورياض البوعزيزي وخالد بدرة وخوزي كلايتون ورياض الجلاصي وحاتم الطرابلسي بالإضافة إلى من سبقهم مثل اسكندر السويّح وزبيربيّة وعادل السّلّيمي وأصحاب الخبرة كشكري الواعر وعلي بومنيجل وطارق ثابت وسامي الطرابلسي وسراج الدين الشيحي والهادي بالرخيصة… خلق هذا الممرّن فريقا متجانسا وقويّا وبدأت تظهر نتائج عمله في كأس إفريقيا 1996 التي بلغنا فيها النهائي رغم المشكّكين والمحبطين وكان من المستحيل الفوز بها أمام البلد المنظّم جنوب إفريقيا وبحضور الزعيم نلسون مانديلا كما أكد على ذلك قائد الفريق شكري الواعر الذي تألق في كأس العالم فرنسا 1998 والتي تأهّل إليها المنتخب الوطني باستحقاق بعد غياب 20 سنة منذ ملحمة 1978… والواقع أنّ كاسبرجاك وجيل 1998 لم يكونوا محظوظين بالمرّة فقد أقصينا مرة أخرى أمام البلد المضيف بوركينا فاسو في كأس إفريقيا بركلات الترجيح.. وفي كأس العالم قدّمنا مقابلة محترمة رغم عنصرية الهوليغانز وعنف الفريق الإنقليزي ثمّ أتت المباراة التي “تبكّي” بشهادة أحد الإعلاميين أمام كولومبيا وانهزمنا 0-1 رغم أننا خلقنا عديد الفرص وكنّا الأفضل… ثمّ أقيل كاسبرجاك ولكن تواصلت ثمرة عمله حتى كأس إفريقيا 2004 التي تُوّجنا بها في رادس بعديد اللاعبين بينما حُرم آخرون منها وهي التي حضرت فيها البركة والحظ اللذين غابا عنّا في السابق… لاعبو التسعينيات كانوا يبلّون المريول ويجاهدون ويفعلون المستحيل ويقدّمون أداء رائعا ولكنّهم ينهزمون.. أما من جاء بعدهم فقد كانوا أكثر توفيقا رغم أنهم أقل منهم براعة أحيانا… وبعد مرور حوالي 20 سنة، تذكّر السيد وديع رئيس الجامعة كاسبرجاك فأتى به في صيف 2015 ولا أدري لماذا كانت سهام النّقد موجّهة إليه حتى قبل أن يبدأ العمل… ومن سخرية القدر أننا أُقصينا مرّة أخرى أمام بوركينا فاسو في الدور ربع النهائي لكأس إفريقيا 2017 بهدف قاتل يتحمّل مسؤوليّته لاعبون لم يحسنوا التغطية على مرماهم إثر هجمة معاكسة من المنافس… وقد أكّد رئيس الجامعة أنّ كاسبرجاك باق بينما كانت السّكاكين موجّهة حصريا نحو المدرّب الذي كان عيبه أنه خضع نسبيا للضغوطات وشرّك أيمن عبد النّور الذي قدّم مردودا كارثيا آنذاك… ولكنّ مولى الكورة تراجع في رأيه وأقاله لاحقا لأنه انهزم في مباراتين وديتين ! آخرهما كانت أمام المغرب التي أحسسنا فيها بشبهة تخاذل للاعبين كانوا بلا روح وخاصة حمزة يونس الذي سجّل هدفا مميّزا ضدّ مرماه وانهزمنا بفضله 0-1… طُرد هنري بطريقة جريئة مهينة بعد أن فاز في مباراتين في تصفيات كأس العالم 2018 فأتوا بالفنّي المعلول الذي فشل أمام الرأس الأخضر سنة 2013 وجنى ثمرة تعب كاسبرجاك بتأهّل بشقّ الأنفس إثر تعاطف ليبيا معنا وتعادلنا معها سلبا 0-0 في رادس… فكافأه وديع الجريء بعد 4 مباريات (انتصاران وتعادلان) بتجديد عقده 4 سنوات حتى 2022 ! ولا داعي للحديث عما حصل في روسيا 2018 وهزيمتنا أمام انقلترا وخاصة أمام بلجيكا 2-5 وانتصارنا بشق الأنفس على باناما 2-1 بهدف مريب ! اليوم نتذكّر أنّ كاسبرجاك كان مكوّنا قبل أن يكون ممرّنا وكان -بصفة عامّة- لا يخضع للضغوط ويحبّ الانضباط مما جعله يتخاصم مؤقتا مع شكري الواعر سنة 1998… كاسبرجاك كان أيضا يعتمد على وسط الميدان وكانت طريقته هجومية أكثر من غيره ممّن يعشقون “تسكير اللعب” (حضبة وقول) خاصة بعد أن يخطفوا هدفا… لا شكّ ولا اختلاف أنه واحد من أفضل مدرّبي المنتخب وسيقول التاريخ كلمته عاجلا أم آجلا مهما حاول الآخرون تشويهه ولا شكّ أنّه ظُلم مرتين : في 1998 هو وبعض اللاعبين الرائعين، وفي 2017 مع لاعبين فاشلين وبلا روح حتى لا نقول شيئا آخر… ولو توفّر له ما توفّر للومار أو معلول لحقّق الأفضل… والأرقام وحدها تتكلّم رغم أنّ بعض النتائج كانت قاسية ولا تعكس المردود الجيد : فمع منتخبنا حقق كاسبرجاك 31 انتصارا و12 تعادلا و18 هزيمة بين 1994 و1998، وبين 2015 و2017 حقّق 12 انتصارا و5 تعادلات و8 هزائم… كاسبرجاك بلغ أيضا المركز الرابع مع مالي في كأس إفريقيا 2002 ولكنه كثيرا ما واجه قلة انضباط بعض اللاعبين على غرار “الحاج ضيوف وعصابته” على حد تعبير شكري الواعر…
أردنا من خلال هذا المقال تسليط الضوء -ولو سريعا- على ممرّن ومكوّن قدير ومحاولة إنصافه في ذكرى ميلاده التي تصادف يوم 10 جويلية.
سامي النيفر



