أبو القاسم الشّابّي.. أيقونة تونس على الدّوام

أبو القاسم الشّابّي.. أيقونة تونس على الدّوام

21 أوت، 20:45

أبو القاسم الشّابّي فلتة من فلتات الزمان، وعبقريّة شعريّة وأدبيّة وفنّيّة وإنسانيّة قد لا تتكرّر… لم تكن معيشة بلقاسم سهلة وكانت طريقه مليئة بالمطبّات، وتجربة الشّابّي المريرة مع الحياة صنعت منه رجلا جميلا وأديبا عظيما… ما لا يعلمه الكثيرون أنّ له نصوصا نثرية ورسائل أخوية إلى الكاتب محمّد الحليوي يبثّ له فيها من مشاعره ومشاغله وأفكاره…

وما أجمل أفكاره التي تجلّت أكثر ما تجلّت في أشعاره اللطيفة الشريفة… أشعار موزونة.. تحسّ، عند قراءتها، بموسيقاها وإيقاعها حتى دون أن تُلحّن.. بدأت مواهب الشابي منذ نعومة أظفاره ولم يكمل 14 سنة من عمره حتى ظهرت له أول قصيدة… أعماله محمّلة بالنّبل والجمال والحساسيّة والرّومنطيقيّة… كان متألما من تفاهة محيطه وجمود مجتمعه وبروده ولا مبالاته ومن عالم ممتلئ بالمصالح والنفاق والغلظة… لطالما نقد المجتمعات الصاخبة الثرثارة…

فماذا كان ليقول لو أنه لحق مجتمعنا اليوم ؟ كان متألّما لوطنه، موجوعا من ناسه… لم يجد الزمان بأشعر ولا أمهر ولا أكثر حساسيّة وروحا نقيّة شاعرية من الشّابّي… هذا الفنّان العظيم أنجز أعمالا قيّمة رغم حزنه وتشاؤمه فحوّل آلامه إلى تحف فنّيّة خالدة.. ولا مجال للشك أن كل أعماله له ولم تتضمّن قصائد لغيره من ذلك الكتاب الرسمي “ديوان أبي القاسم الشابي ورسائله” تقديم وشرح راجي الأسمر عن مؤسسة المعارف للطباعة والنشر بيروت وكذلك ديوان “أغاني الحياة” عن دار المعارف للطباعة والنشر بسوسة. كم تعذّب الرّجل في حياة قصيرة مرض فيها ولم يوفّق في الحبّ وتوفّي والده وابتلي بمحيط تافه جامد بارد لا مبال ولا يعرف معنى الفنّ والجمال.. عاش 25 سنة ومات متأثرا بوجع في قلبه جسديا ونفسيا…

ورغم ذلك فهو أعظم الأدباء في تونس وكان علينا أن نرى حياته القاسية ونفسه الراقية بطريقة أعمق تفسّر لنا بعض معاني الوجود النبيلة التي لم نفهمها خاصة في هذا العصر المادّي البغيض الذي انعدمت فيه القيم وفسدت فيه الأخلاق إلا قليلا… ونحن نحفظ بضعة أبيات مشهورة لشاعر الخضراء رغم أنّه كتب قصائد أعمق من ذلك على غرار رائعته “إلى الشعب” إذ قال :

“أين يا شعب قلبك الخافق الحَسْ سَاسُ؟ أين الطموح، والأحلام؟”

“أين عزم الحياة؟ لا شيء إلا الموت، والصمت، والأسى، والظّلام”…

قضّى أيام مرضه بين ثلاث مناطق سحرية في هذا الوطن العزيز : الوطن القبلي، وخاصة عين دراهم وتوزر وهما منطقتان طبيعيتان هادئتان بالخير ملهمتان.. في مثل هذا اليوم 3 صفر 1327، وُلد الشاعر الكبير أبو القاسم الشّابّي. ومن محاسن الصّدف أنّه نفس اليوم الذي ولدت فيه شاعرة صفاقس المعاصرة سلوى بن رحومة فلعلّه التقاء الأرواح الجميلة في الأشعار النبيلة…رحم الله شاعرنا الأيقونة الذي امتلأت بالخير الكثير سيرته الإنسانية والأدبية التي وجب علينا أن نتعمّق فيها ونستلهم منها أحلى المعاني وأرقاها.

سامي النيفر        

مواضيع ذات صلة