إرفعوا رؤوسكم يا عرب وإستبشروا خيرا فلا ذل بعد اليوم..  ياسين فرحاتي…

إرفعوا رؤوسكم يا عرب وإستبشروا خيرا فلا ذل بعد اليوم.. ياسين فرحاتي…

10 أكتوبر، 13:31

لكم عانى العرب و المسلمون لعقود من الاستعمار الغربي و من ظلم حكامهم و تحملوا الويلات و افترشوا الأشواك و لا زالوا يواجهون الغطرسة و الجحود و النكران من الغرب الذي لا يعترف بأعمالهم و منجزاتهم و مخترعاتهم إلا متى ترعرعوا في أحضانه و حملوا جنسيات تلك الدول حتى تمنح الجوائز العالمية بعد سنوات طويلة مثل نوبل لهم كما حدث مع كل من أحمد زويل العالم المصري ذو الجنسية الأمريكية و منجي الباوندي العالم التونسي ذو الجنسية الأمريكية أيضا و كلاهما فازا بجائزة نوبل في الكيمياء كل على حدة. هذه الشهادات و الاعترافات الدولية جاءت لتعيد إلينا نحن كعرب الثقة في أنفسنا و أن المستحيل ليس عربيا.

فلكم قيل إن نوبل جائزة فيها جانب سياسي و تحمل طابعا عنصريا إلى حد ما فالولايات المتحدة الأمريكية هي أكثر دولة فازت بجوائز نوبل تليها بريطانيا و هما من هما فالأولى هي الراعية الأولى و الداعمة بقوة لإسرائيل و الثانية هي سبب وجودها بسبب وعد بلفور المشؤوم و قد قيل أن اليهود هم من يتحكمون في الجائزة. لكن إصرار جهابذة و نوابغ و مبدعي العرب على التألق خارج بلدانهم و التي في الحقيقة لم ينل فيها بعضهم حظه بالكامل لا بل إن كثيرا من المتميزين تتعمد الحكومات تهميشهم و ما نراه من تكريمات لبعضهم في ما يسمى ” يوم العلم ” لا يعدو سوى محاولة للتوظيف السياسي للبعض من الزعماء العرب .

لكن على ما يبدو ان سفراء العرب في المهجر في ميادين العلوم قد كرسوا كل جهودهم و كل وقتهم لإعادة الاعتبار لبلدانهم التي أنجبتهم و لم يتنكروا لها و لم يقابلوا الجحود و النكران من اوطانهم بالمثل. و على أية حال، فالعالم التونسي منجي باوندي قد شرف العرب للمرة الثانية بعد العالم المصري الراحل أحمد زويل و فاز بنفس الجائزة مع إثنين آخرين حول” النقاط الكمومية ” و قد تلقى مكاملة هاتفية من الرئيس التونسي قيس سعيد الذي هنأه بالمناسبة و أشاد بخصاله.

أقول إن العلم و المعرفة هما السبيلان الوحيدان للإرتقاء و الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة. كما أنه ثمة شيء آخر لا يمكن تجاهله أبدا وهو أن ” العالم الحقيقي هو من يخشى الله ” كما ورد في كتابه العزيز لأعرج هنا بالمناسبة على” المهندس التونسي ” أيضا “الشهيد و العالم ” في نظر حركة حماس وهو ربان سفينتها و ترسانتها العسكرية و خصوصا منظومة الطائرات المسيرة محمد الزواري، حيث لم تنس إطلاقا خصال و مناقب و إنجازات الرجل الذي وهب جزء هاما من حياته و عقله و روحه و سخر كل ملكاته الفكرية بإيمان قوي و عزم لا يلين خدمة للقضية الفلسطينية. اليوم انتصارات حماس و جندها يعود فيها الفضل بجانب رجال آخرين صدقوا الله ما عاهدوا عليه ممن تبنوا قضية المقاومة الفلسطينية و دافعوا عنها بكل قوة و اتهموا ظلما و زورا و بهتانا بأنهم يدافعون عن الإخوان المسلمين و حشروا مصدقين أكاذيب أعداء الإسلام بأنها حركة إرهابية و هي من كل ذلك براء فهي حركة مقاومة منظمة و مهيكلة لها قيادة سياسية و قيادة عسكرية و كلاهما متناغمتان و متكاملتان إلى أبعد الحدود.

قيادة لم تخفها تهديدات العدو قبل أن تحدث المفاجأة التي كانت تهدد بها بين الفينة و الأخرى، حتى جاءهم وعد الحق من حيث لا يعلمون و لا يدرون أتى نصر الله بقدرة قادر في فجر السابع من أكتوبر من عام 2023، عندما أقدم زهاء الألف مقاتل من حركة حماس ممتطين الدراجات و السيارات رباعية الدفع و غيرها من العربات و الطائرات محلية الصنع بكل بسالة على الانقضاض بغتة على المستوطنات المجاورة لما يعرف بغلاف قطاع غزة و الإسرائيليون في سبات عميق بين عسكري و مدني و إن كان المدنيون مدججين بالسلاح و هم سبب الفوضى و هم أيضا وراء عملية ” طوفان الأقصى ” التي جاءت نتيجة تراكمات و حالة من الاحتقان و التوتر و قد نفد الصبر بعد المساس الخطير بحرمة المسجد الأقصى و منذ سنوات متتالية.
هذه العملية و هذا السيناريو لم يخطر على بال أحد و لم يكن في الحسبان لأصحاب أقوى جيش في الشرق الأوسط و الذي هوت أسطورته في الحضيض و بأقوى مخابرات متمثلة في الموساد و الشاباك و بأقمار إصطناعية معدة للتجسس و للخدمة العسكرية و بشبكة من العملاء كل ذلك قد سقط في الماء و جعل كل حسابات و خطط و تكتيكات العدو تذهب سدى فقد بان أن إسرائيل لو لم يكن دعم أمريكا و الغرب فهي كيان من ورق و أوهن من بيت العنكبوت فلولا أيضا تخاذل بعض العرب و تآمرهم لنالت فلسطين استقلالها منذ وقت مضى و لكن قدر الله و ما شاء فعل. فلا بد للحقيقة أن تظهر للعيان و للضبابية ان تزول و للثقة في العربي المقاوم أن تستعاد.

كفانا احتقارا و استبانة بمكانتنا كبشر لنا عقول نفكر بها و قلوب تنبض و ضمائر حية و قد قال بعض الخبراء العرب أن حركة حماس قد استثمرت و راهنت على ” حرب العقول ” ( للتذكير أن الفلسطينيين في الداخل و الخارج لهم أكبر عدد من الدكاترة و الأكاديميين المرموقين ) منذ سنوات، و عملت في السر و في الخفاء و بعيدا عن الأضواء و إستعدت كأفضل ما يكون الاستعداد لهذا اليوم العظيم، موعد يتزامن مع احتفال المصريين و بعض العرب بالذكرى الخمسين لنصر أكتوبر 1973، ليضرب العرب موعدا جديدا مع تحقيق نصر طال انتظاره هو الاختراق الأول و المبادرة الأولى من نوعها لمقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس الشجاعة و الجريئة و البطلة. حماس رسمت أنموذجا للحروب في القرن الحادي و العشرين و أعادت رسم خريطة للنضال الفلسطيني المشرف و قلبت موازين القوى برمتها.
حركة المقاومة الإسلامية حماس قتلت زهاء 700 صهيوني و أصابت أكثر من 2000 و أسرت العشرات من كبار الجنرالات و الضباط في الجيش الإسرائيلي و الحرب كما أعلن أبو عبيدة الناطق الرسمي باسم الحركة لا تزال مستمرة و بنفس الوتيرة و بنفس الزخم و الإيمان و العزيمة و العدو لم يستفق بعد من صدمته و ذهوله و حالة الرعب الشديد و الفزع الأكبر هي المسيطرة على المجتمع الإسرائيلي بطم طميمه.
بينما يعيش الوطن العربي الكبير حالة من الفرح الشديد و النخوة الكبيرة و قد تنفسوا الصعداء و أثلجت صدورهم بعدما حصل لهم شعوبا و حكاما بسبب اليهود الظالمين فبسببهم أعدم الرئيس العراقي صدام حسين يوم العيد و قتل الرئيس الفلسطيني عرفات مسموما و كتاب و صحفيون مثل غسان كنفاني منذ عقود مضت و الصحفية من قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة. و من قبلهم مؤسس الحركة و زعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين و عبد العزيز الرنتيسي و آخرين رحمهم الله تعالى.
هذا اليوم أي السابع من أكتوبر 2023، ليس بعيدا عن بشارة الشيخ ياسين في حوار خص به أحمد منصور ضمن برنامج ” بلا حدود ” و لا عن استشراف المفكر المصري عبد الوهاب المسيري من أن إسرائيل إلى زوال و كلاهما توقعا مع كتاب عرب و حتى يهود و غريبين نفس هذا المصير و ما حدث هذه الأيام توقعه العام الفارط أي عام 2022 آخرون.
رغم كثرة مراكز الدراسات الاستراتيجية و الاستشرافية الإسرائيلية و الأمريكية و الأوروبية إلا أنهم لم يجل بخاطرهم مثل هذا الحدث الجلل.
حماس و فصائل المقاومة يجب هذه المرة على حكام العرب المتقاعسين و المتخاذلين جلهم أن يكفوا عن التنديد و الاستنكار و الاستهجان و المساواة بين الجلاد و الضحية ( تعد بعض المواقف العربية إيجابية من بيانات تونس و الجزائر و قطر )، فإسرائيل دولة إرهابية بامتياز و ليست حماس أو الجهاد الإسلامي. إستفيقوا يا عرب و إرفعوا رؤوسكم و كفى خنوعا و إستسلام فهاهي إسرائيل مطأطأة الرأس ذليله منهارة و مهزومة و إن ” النصر مع الصبر “.

ياسين فرحاتي كاتب تونسي

مواضيع ذات صلة